اخبار محليةلبنان

إسرائيل – لبنان: الحرب بدأت بالفعل

صباح يوم أمس الثلثاء سقطت طائرة مسيرة تابعة لـ“حزب الله” في بستان في عكا على مسافة 50 كيلومتراً من الحدود مع لبنان، قرب منزل رئيس المجلس الإقليمي للجليل شمال إسرائيل “ماتيه أشير”. إثر ذلك كتب أشير رسالة “هذا ليس تصعيداً، هذه حرب. العدو يستهدف القيادة، في طريقه إلى استهداف جميع السكان، كائناً من كانوا. نحن بحاجة إلى وضع حد للوضع في منطقة الشمال، قبل إعلان وفاة الشمال”! حصل ذلك بعد أقل من 24 ساعة بعدما أسقط الإسرائيليون صباح يوم الاثنين الماضي مسيّرة مجهولة الهوية فوق منطقة طبريّا في الجليل الأسفل، أطلقت من الأراضي اللبنانية. ردت عليها إسرائيل مساءً بقيام سلاح الجو بضرب موقعين قالت إنهما لـ”حزب الله” في بلدة الغازية المتاخمة لمدينة صيدا على مسافة أكثر من 50 كيلومتراً من الحدود.

ما سبق يعني أن قواعد الاشتباك التقليدية سقطت، وسقطت معها المحرّمات. ولكن ذلك لا يمنع أن الرأي العام اللبناني لا يزال ينتظر كيف سيترجم “حزب الله” تهديده بالرد على الغارة الإسرائيلية على مدينة النبطيّة الجنوبية التي أودت بحياة أكثر من عشرة مدنيين بينهم أطفال ونساء. فقد توعّد الأمين العام للحزب في خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي بأن يرد على الدم بالدم. بمعنى أن الرد المنطقي يفترض أن يطال أهدافاً مدنية إسرائيلية ثأراً للغارة الإسرائيلية. حتى الآن مرت أيام عدة ولم يقم “حزب الله” بأي تدبير بمستوى الغارة الإسرائيلية. وواصل تنفيذ هجمات من خلف الحدود على أهداف عسكرية لا تعادل غارة النبطية. ومع أن الغارة المذكورة أتت في سياق استهداف قيادي ميداني من “حزب الله” كان في المبنى المستهدف، فإن هول الأمر يعود إلى أن إسرائيل كانت تعلم أن في المبنى مدنيين لا علاقة لهم بالحزب المذكور. ومع ذلك قامت بتنفيذ الضربة لتصفية الهدف العسكري غير عابئة بالمدنيين فكانت المجزرة.

تدل التطورات منذ الثامن من تشرين الأول – أكتوبر إلى أن حرب “المناوشة” تحولت إلى حرب استنزاف دموية للجانبين، لا سيما لـ“حزب الله” الذي خسر حتى الآن أكثر من 200 مقاتل وقيادي ميداني معظمهم في لبنان، وقسم منهم في سوريا. كما أن الخسائر اللبنانية بين المدنيين قد زادت وبلغت بضع عشرات. أما الخسائر المادية فكبيرة جداً في المباني والممتلكات، وفي الاقتصاد عموماً بفعل تهجير حوالي 100 ألف مواطن لبناني من قراهم وبلداتهم. ومن الواضح أن إسرائيل تفتش عن مسار تصعيدي بذرائع يمنحها لها “حزب الله” المتمسك بمواصلة حرب الاستنزاف، من دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات لتغيير في موقفه.

بمعنى آخر أن “حزب الله” مصمم على المضي قدماً بربط وقف إطلاق النار في لبنان بوقف إطلاق النار في غزة. ومصمم أيضاً على ربط إنهاء حرب الاستنزاف بوقف الحرب في غزة. لكن الغريب أن “حزب الله” يعرف تماماً أن حرب الاستنزاف التي يخوضها ضد إسرائيل لم ولن تغير في معادلة الميدان في قطاع غزة. فلماذا إذاً الإصرار على حرب لا تقدم ولا تؤخر فيما يكاد لبنان ينزلق إلى حرب واسعة ستكون في حال اشتعالها حرباً صعبة، ومدمرة إلى حد بعيد، أقله في النطاق الجغرافي للعمليات التي ستصل إليه. فإذا اقتصرت الحرب الواسعة ضمن نطاق منطقة الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل بعمق 40 كيلومتراً وتعدتها فستكون النتيجة خطيرة للغاية. لكنها بكل تأكيد لن تؤثر على مآلات حرب غزة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة مع تقدم الجيش الإسرائيلي في خان يونس، واقتراب موعد العملية البرية ضد رفح عند الحدود المصرية في شمال سيناء.

في هذه الأثناء تستمر عمليات “حزب الله” ضد مواقع عسكرية إسرائيلية في الشمال. ومعها تزداد خطورة الموقف مع تراكم المعلومات والمؤشرات الواردة من إسرائيل بشأن قرب قيامها بتوسيع الحرب ضد “حزب الله”. والمسألة ليست مجرد حملات تهويل. فثمة جهد كبير في الجبهة الداخلية الإسرائيلية لشحن الرأي العام لانتزاع تأييد كاسح لحرب واسعة في لبنان. وفي هذا السياق نورد استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته صحيفة معاريف يوم الخميس وجاءت نتيجته لتؤكد أن 71 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون حرباً واسعة في لبنان، ما يعكس خطورة الموقف مع إسرائيل أكثر تطرفاً وجنوناً من أي وقت مضى. ومع رأي عام انزلق جماعياً بعد عملية “طوفان الأقصى” نحو اليمين المتطرف، “الإسبارطي” الأكثر عدوانية، فإن “حزب الله” يعرف حقيقة الوضع لكنه عالق في عنق الزجاجة وسط عجز لبناني تام، سببه مروحة من السياسيين والمسؤولين المتواطئين معه، أو المستسلمين له لأسباب كثيرة معروفة لكنها غير مبررة. من هنا يقيننا أن الحرب لم تعد بعيدة. والبعض يقول إن الحرب بدأت بالفعل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى