اخبار محلية

أزمة “النزوح” الخطيرة… المزايدات والسياسة تعقد الحلول!

يزداد يوماً بعد يوم الضغط في ملف #النزوح السوري، مترافقاً مع موجة النزوح الجديدة غير الشرعية التي تشهدها الحدود منذ أشهر، والتي لا تزال مستمرة على الرغم من الضغط الذي يقوم به الجيش اللبناني في هذا الإطار.

تكاثرت الأرقام المرعبة والإحصاءات هذه الفترة على مختلف الصعد، من ولادات وطلاب وتأثير على البنى التحتية والاقتصاد، مروراً بمصادرة أسلحة وأجهزة في المخيمات وصولاً الى محاولات تنظيم ذاتية في المخيمات، جميعها تدل على مدى الخطورة التي بات يشكلها هذا الملف على كيانية الوطن.

والملاحظ في هذا الملف أنه أصبح هناك إجماع لبناني نادر على رفض النزوح السوري وأصبح موضوع حلّ هذه الأزمة مطلباً لبنانياً عاماً يشمل كل المناطق والطوائف، وهذا ما يبرّر عدم موته أسوة ببعض الملفات التي تفتح استنسابياً لأهداف سياسية وثم يتم إقفالها بسحر ساحر.

الإشكالية الأساس أنه حتى الساعة لم يتم البناء على هذا الإجماع لتحقيق تقدم فيه، وتبقى جميع الطروحات حبراً على ورق من دون تنفيذ، وتتداخل فيها السياسة أحياناً لتحرفها عن مسارها، فتتحول من مطلب لبناني محق وأساسي الى مطلب فئوي يستعمل في النكايات السياسية، وتحمل أطراف لبنانية أطرافاً أخرى المسؤوليات، فتتحول الأمور إلى مزايدات شعبوية، وفي جزء منها عنصرية.

التحرك على المستوى الرسمي خجول جداً، ويصحّ القول فيه أنه غائب، ولا يلامس جزءاً صغيراً من الأزمة. ففي العام 2014، عبّرت السلطة عن موقفها الرافض لدمج اللاجئين وبناء المخيّمات في ورقة رسميّة، وهو ما انعكس بعدم تنظيم الوجود السوري وتركه مُتفلّتاً وخلق العديد من الإشكاليّات. أمّا في العام 2020، فأكّدت السلطات اللبنانية على ضرورة العودة الآمنة في ورقة صادرة رسميّة لا تزال مُجرّد حبرٍ على ورق.

انسحبت الدولة اللبنانيّة من مسؤوليّتها في تنظيم هذا الوجود وإدارته مُتحجّجة بشبح التوطين. ففي العام 2011، توقّفت عن تسجيل اللاجئين وحوّلت هذه المهمّة إلى مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، بحيث تخلّت عن تكوين قاعدة بيانات عن ديموغرافيا اللجوء، ما أضعف قدرتها على فهمها والاستجابة للأزمة على مختلف الصعد بما فيها تنظيم سوق العمل.

هذا عدا عن الاشكاليات السياسية الأساسية أهمها إشكاليّة التعامل مع النظام السوري المحكومة بالانقسامات السياسيّة الداخليّة والمواقف المُتعارضة.

أما على مستوى الأحزاب اللبنانية، فغالبية القوى السياسية طرحت رؤيتها للحل، وأصدرت مجلدات ودراسات وقامت بمؤتمرات وأصدرت توصيات في هذا الشأن، ولكن جميعها بقيت أيضاً حبراً على ورق.

والملاحظ أن الأوراق المقدمة من الأحزاب تشبه إلى حد كبير بعضها البعض وجميعها تطرح حلولاً منطقية، لكن يبقى الخلاف الأساسي يتمثل في كيفية مقاربة الأمر مع النظام السوري، فبعض الأحزاب ترى أن الحل لا يكون إلاّ عبر بوابته، فيما الأخرى ترى أنه السبب الرئيسي بالتهجير ومن المستحيل أن يكون الحل من خلاله لعودتهم.

يكشف مسؤول ملف النازحين في “حزب الله” النائب السابق نوار الساحلي لـ”النهار” أن الحزب فتح ثغرة أساسية في الملف وهو يتعاون مع “التيار الوطني الحر” لخلق مساحة وحوار بين جميع اللبنانيين، وقد أُوكل “التيار” بحوار “القوات اللبنانية” والكتائب بمقابل أن هو يتولى الحوار مع الأحزاب الحليفة للحزب أي حركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي وغيرهما، مبدياً تفاؤله بالوصول إلى رؤية مشتركة بهذا الموضوع وخصوصاً بعد الإجماع اللبناني الذي حظي به هذا الملف.

ويقول: “ان الحلول السريعة لهذا الملف تبدأ بالعمل مع البلديات، فهي الوحيدة القادرة على القيام بإحصاءات دقيقة كل ضمن مجالها. وبدأ “حزب الله” بهذا العمل منذ مدة، وعلى أساسه تتكون داتا دقيقة عن الأعداد والأعمار وغيرهما، ويمكن أن يتم الانطلاق منها إلى ترحيل العائلات إلى سوريا، والإبقاء على العدد اللازم من العمال، لأن لبنان تاريخياً بحاجة الى عدد كبير من العمال”.

ويضيف: “إنه يمكن التعاون مع المؤسسات الدولية والمدنية التي لا تعمل مع النازحين أو من أجل توطينهم، للضغط على دولها لتوفير نوع من الضمانات السياسية، لدى النظام السوري وخصوصاً بما يختص بالمساعدة وإعادة الإعمار وتوفير المساعدات، وغير ذلك لا يمكن حل هذا الملف بغياب أي تحرك رسمي وحكومي في هذا الإطار خصوصاً من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يبعد نفسه عن هذا الملف كلياً”.

أما الحزب التقدمي الاشتراكي فيرحّب بجميع الحوارات المتعلقة بهذا الملف، التي توقف المقاربة العنصرية الشعبوية والمزايدات المؤذية. فهذا الموضوع بحاجة إلى حكمة، ويُحل عبر وزارات الدولة وأجهزتها ضمن الأصول التي تنص على عدم إعادة المطلوبين وعلى إحصاء أعداد السوريين وضبط وجودهم، والتمييز بين اللاجئ والعامل، والبحث الجدي مع المنظمات الدولية في كيفية التوازن بين المساعدات المخصصة للنازحين وتلك المخصصة للمجتمع اللبناني المضيف، بانتظار الحل السياسي الذي يسمح بعودة النازحين الآمنة إلى بلادهم.

في الخلاصة حتى الساعة لا مقاربة شاملة في هذا الموضوع، وما زالت الأمور ضمن إطار الحوارات الثنائية، التي لا تؤدي إلى تأسيس جبهة موسعة شاملة مع مقاربة واضحة تضع حداً لتداعيات هذا الملف الخطير.

في غضون ذلك، وضعت منظمة “كلنا إرادة” (مجتمع مدني) مقاربة للحلول يمكن أن تشكل انطلاقاً جيداً يبنى عليه لحل هذا الملف، وتتلخّص على الشكل الآتي:

– وضع آليّة لإحصاء اللاجئين تستند إلى الأرقام الحالية كقاعدة أساس وتطوّرها وتسمح للدولة اللبنانيّة بامتلاك قاعدة بيانات مُحدّثة، وهو ما يسمح بالتمييز بين الفئات المختلفة للسوريين المتواجدين في لبنان، ووضع الخطط لمعالجة الأزمة الحالية وتأمين المعلومات الضروريّة لتنظيم العودة .

– المباشرة بعمليّات التسجيل بمستوياتها الثلاثة: الإقامات والزيجات والولادات. وهو ما يسهِّل تسجيل الزيجات والولادات على الرغم من فقدان السوريين أوراقهم الثبوتيّة، وذلك تفادياً للخطر الذي قد ينتج عن حالات مكتومي القيد، خصوصاً أن نسبة تسجيل ولادات النازحين لم تتجاوز 36 في المئة في أواخر العام 2022. تجدر الإشارة إلى أنه يمكن إتمام عمليّات التسجيل في فترة زمنيّة تراوح بين 12 و18 شهراً في حال تأمين الموارد الماليّة والبشريّة اللازمة.

– تنظيم سوق العمل والحرص على تطبيق القوانين المرعية الإجراء عبر مساواة السوريين بالأجانب، أي دفعهم الضرائب وحصولهم على إجازات عمل.

– ضبط الحدود والمعابر غير الشرعيّة وتوفير الدعم السياسي واللوجستي والتقني للأجهزة الأمنيّة لتحقيق هذا الهدف.

وعلى المستوى الخارجي:

– ضرورة الوصول إلى اتفاق عربي ودولي يضمن عودة اللاجئين.

– الاستفادة من الوضع السياسي الإقليمي الراهن والتفاهمات بين دول المنطقة للاستثمار في الديبلوماسيّة، ووضع خطّة لعودة اللاجئين تحت رعاية وتوافق دولي وعربي، على أن يشمل أي اتفاق مقاربة للمواضيع الآتية:

– الدفع باتجاه حلول تسمح ببدء العودة الكريمة والمُستدامة إلى بعض المناطق بموازاة العمل على الحل السياسي الشامل، ومن ثمّ منطقة القلمون، على أن يترافق ذلك مع ضرورة العمل على انتزاع التزامٍ من الدول المانحة للمساهمة في جهود إعادة الإعمار بدءاً من تأهيل المناطق التي حُدِّدت لعودة اللاجئين.

– حثّ المجتمع الدولي على تحمّل مسؤوليّته في تقاسم أعباء هذه الأزمة عبر رفع معدّلات إعادة التوطين والاستمرار بالدعم المادي للبنان والمجتمعات المضيفة على وجه التحديد.

– الضغط على النظام السوري من أجل انتزاع التزامات جدّية تضمن إزالة كافة العوائق أمام العودة، لا سيّما عبر حلّ إشكاليّة التهرّب من الخدمة العسكريّة ووقف التعامل من الزاوية الأمنيّة، وضمان استعادة اللاجئين للأراضي التي هُجِّروا منها أو تمّت مصادرتها في غياب مالكيها.

Related Articles

Back to top button