المصارف

إلغاء “صيرفة”… وكارثة نقدية!

لا يمكن الرّكون إلى أي خطوة مالية ونقدية في الوقت الراهن، خارج إطار البحث بالتخلّي الكامل عن الليرة اللبنانية لفترة من الزمن، كطريق لتخفيف حدّة الأزمة، ولامتصاص أي خضّة جدية لاحتمالات إنفلات سعر صرف الدولار في مستقبل قريب.فالبلد يعيش على السوق السوداء بالكامل، منذ خريف عام 2019. كما أن لبنان هو بلد اللاقانون، واللامحاسبة، وهو ما يعني أن أي منصّة بديلة من “صيرفة” لن تقدّم الحلول المنشودة بالضرورة، ولن توقف الفلتان النقدي. وحتى إن ممارسات السوق السوداء قد تستمرّ بشكل أكثر استفحالاً مع المنصّة الجديدة، وأشدّ تأثيراً على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة في البلد، وذلك تحت ستار التحرير الكامل للّيرة، وتحقيق أحد مطالب “صندوق النّقد الدولي”.فمن سيضبط التداول النّقدي مستقبلاً؟ وحركة “تحريك” الليرة والدولار في البيع والشراء؟ ومن سيراقب عمليات الاستيراد وما تحتاجه من عملات صعبة؟ وغيرها من الأمور؟ الجواب هو بالطبع، لا أحد.وانطلاقاً من هذا الواقع، ما هي أهمية التخلّي عن الليرة اللبنانية لفترة من الزمن، تكون قابلة للتجديد بحسب الظروف والحاجة مستقبلاً، كنقطة انطلاق لتحقيق سوق مالية ونقدية مستقرّة في البلد، وذلك قبل أي بحث بإنشاء منصّة جديدة غير “صيرفة”؟ وقبل الحديث عن أي تحرير “مُستقيم”، ومن خارج السوق السوداء، لسعر اللّيرة؟أوضح الباحث في علم الاقتصاد، والأستاذ الجامعي البروفسور جاسم عجاقة، أن “إلغاء منصّة “صيرفة” هو مطلب لـ”صندوق النقد الدولي”، من أجل وقف تدخّل مصرف لبنان في السوق. وهو ما يعني تحرير سعر صرف اللّيرة بالكامل في تلك الحالة. ولكن هذا يُؤدي بدوره إلى تمكين أي لبناني في أي منطقة، من أن يؤثّر على حركة ارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار بكل سهولة، ولمجرد أن يضخّ اللّيرات اللبنانية في السوق بموجب “أجندات” سياسية أو ربحية، أو لأهداف كثيرة غيرها، كالتهريب مثلاً”. وأشار في حديث لوكالة “أخبار اليوم” إلى أنّه “لتلك الأسباب، ما يتمّ عرضه على مستوى إلغاء منصّة “صيرفة” غير مُقنع للسوق، ولا يضمن الاستقرار بسعر الصرف. فـ”صيرفة” تموّل الحكومة اللبنانية بالدولارات حالياً، وهي توفّر رواتب السلك الديبلوماسي ومختلف الأجهزة، واشتراكات الدولة اللبنانية، وتؤمّن التمويل للتعميمَيْن 158 و161، وغيرها من الأمور، كالسماح بالتدخّل في السوق لوقف تدحرج الليرة مقابل الدولار. وبالتالي، كل حديث عن إلغاء منصّة “صيرفة” من دون بديل سليم، يعني أننا سنتّجه الى كارثة نقدية”. ولفت عجاقة إلى أنّ “نواب حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) يطرحون حالياً إمكانية المساس بالاحتياطي الإلزامي كبديل من منصّة “صيرفة”، وذلك من خلال تشريع في مجلس النواب، أي استعمال أموال المودعين للإنفاق. ولكن هذا غير ممكن، لأنهم لن يتمكنوا من الحصول على توافق سياسي حوله”.وأضاف: “هل يمكن لـ”صندوق النّقد الدولي” أن يساعدهم في إيجاد حلّ في ما لو أُلغِيَت منصّة “صيرفة” قريباً؟ لا نعرف. ولكن على الأرجح لا، لأن المعادلة العالمية المُتَّبَعَة مع لبنان هي أن أَنجِزوا الإصلاحات لنساعدكم، وإلّا فلن يحصل لبنان على شيء. وتبقى النقطة الأساسية هنا، هي أن على ماذا يتّكلون لإلغاء “صيرفة”؟ ولذلك، من الممكن أن يتكرّر مشهد انفلات الدولار الذي رأيناه يوم السبت الفائت، إذا أُلغِيَت “صيرفة” وسط هذا الغموض”. وردّاً على سؤال حول ضرورة التخلّي عن اللّيرة اللبنانية لفترة من الزمن، أجاب عجاقة: “ليس بالضرورة، لا”. وختم: “هناك الكثير من السياسات النقدية التي يمكن اتّباعها خلال تلك الفترة، والتي تتراوح من التثبيت الكامل الى التحرير الكامل لسعر الصرف. واعتماد الخيار الأشدّ ليس حلّاً وحيداً ونهائياً بالضّرورة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى