اسرائيـ.ل تخترق هواتفنا…!
ترافق الحديث عن التجسّس والتشويش الإسرائيلي مع بدء الحرب على غزّة وجنوب لبنان مطلع تشرين الأول 2023. ومنذ ذلك الوقت حتى اللحظة، يعمد العدّو الإسرائيلي إلى التشويش على أجهزة الإرسال ونظام تحديد المواقع العالمي GPS مما يؤثّر على انتظام عمل مرافق الدولة، فضلاً عن تهديده سلامة الطيران والإبحلكن الاعتداءات لم تقف هنا، بل يعمد العدوّ إلى اختراق الهواتف الخليوية والوصول إلى المعلومات الموجودة فيها، بما فيها حركة الاتصالات والرسائل المتداولة عبر التطبيقات الإلكترونية، ومنها تطبيق واتساب وفيسبوك وغيرها. والأخطر، أن تلك المعلومات يتم تحليلها بشكل إلكتروني عبر الذكاء الإصطناعي الذي يعمد إلى الاستنتاج بأن صاحب هذا الهاتف معادٍ لإسرائيل أو يشكِّل خطراً عليها. وهو ما تمّ استخدامه في قطاع غزّة، وسقط الكثير من الفلسطينيين ضحايا اعتبارهم مِن قِبَل الذكاء الاصطناعي أهدافاً محتملة لآلة القتل الإسرائيلية. فهل يصبح اللبنانيون نتيجة بياناتهم، أهدافاً محتملة؟.
إختراقات عميقةاستخدام التكنولوجيا لأغراض عسكرية ليس أمراً مستجداً. لكن الاستغلال العسكري للتطوّر التكنولوجي المتسارع وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، يزيد من معدّلات القتل وتهديد حياة أشخاص لا علاقة لهم بأي نشاط عسكري، فقط لأن برامج الذكاء الاصطناعي “قرَّرَت” بعد الدخول إلى البيانات وتحليلها، أن هؤلاء الأشخاص هم أعداء محتملون.وتكمن الخطورة على المدنيين اللبنانيين، في أن إسرائيل قادرة على اختراق الهواتف والوصول إلى بياناتها ومعرفة مَن تخابَرَ مع مَن، وما هي الرسائل والصُوَر التي أرسِلَت، فضلاً عن تحديد توقيت الإرسال والتخابر بدقّة. ويستعمل الإسرائيليون الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل البيانات التي تتزايد وتيرة تناقلها مع استمرار الحرب والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزّة ولبنان. فالعدوّ يستفيد من كثرة حركة البيانات التي تتابع أخبار الضربات الإسرائيلية والصوَر التي يتداولها المواطنون عند كلّ حدث، فضلاً عن الحملات الدعائية المؤيِّدة لحزب الله وحركة حماس… وما إلى ذلك. ولأن التطبيقات على الهواتف تتيح تشكيل مجموعات تَواصُل، يستفيد العدوّ من تجميع المعلومات المتداولة في تلك المجموعات التي قد تضمّ أشخاصاً من خارج لبنان، سيّما من العراق واليمن وسوريا، وبذلك، تتحوَّل هواتف اللبنانيين إلى مخازن متنقّلة للمعلومات ويصبح أصحابها عرضة للاستهداف.القدرة الإسرائيلية في هذا المجال ليست بسيطة، ويحذّر عبد قطايا، وهو مدير برنامج الإعلام في منصة “سميكس” smex (هي منصة دعم السلامة الرقمية، تدافع عن حقوق الإنسان وتعززها في الفضاءات الرقمية في جميع أنحاء غرب آسيا وشمال أفريقيا)، من أن إسرائيل “قادرة على الوصول إلى بيانات اللبنانيين الموجودة على الهواتف ومنصات التواصل الإجتماعي”. ويؤكِّد في حديث لـ”المدن”، أن تلك القدرة هي “بمساعدة موظفين في الشركات المالكة لمنصات التواصل، ومنها شركة “ميتا” المالكة لتطبيقيّ واتساب وفيسبوك”.ويستغرب قطايا “كيف تسمح تلك الشركات لإسرائيل بالوصول إلى المعلومات واستخدامها عسكرياً، خصوصاً وأن الشركات تفاخر بأنها تحمي حقوق مستخدميها”. وفي هذا السياق، هناك إخلال بالحقّ التجاري للمستخدم بوصفه مستهلكاً تحقِّق من ورائه الشركة أموالاً وأرباحاً، ومن حقّه ضمان حماية معلوماته وبياناته، انطلاقاً من حقّه الاقتصادي كمستهلك لخدمة.كيفية تأمين الحمايةالعقبة الأساسية أمام تفادي الاختراقات، هي “القدرة على الوصول إلى الموظفين الذين يسمحون بتسريب البيانات والمعلومات”. كما أن أغلب الرأي العام العالمي، داعم اليوم لإسرائيل على المستوى السياسي والاقتصادي، وعلى صعيد الشركات صاحبة التطبيقات المعنية. ولا يمكن أن ننسى حادثة طرد شركة غوغل 28 موظفاً اعترضوا في نيسان الماضي على مشروع “نيمبوس” وهو عبارة عن عقد مع الحكومة الإسرائيلية، بقيمة 1.2 مليار دولار، يعطي للحكومة خدمات سحابية Cloud services، وهي عبارة عن “تطبيقات وموارد حاسوبية متاحة على الإنترنت ويتم إدارتها بواسطة موفِّري خدمات خارجيين، من خلال نظام قائم على الاشتراك، يمكن للمؤسسات الاستفادة من البنية التحتية والمنصات والتقنيات والبرامج والمزيد من دون الحاجة إلى أجهزة مادية”. ويؤكّد المعترضون على المشروع أن تلك الخدمات تدعم تطوير الحكومة الإسرائيلية للأدوات العسكرية. لكن رغم ذلك، قد لا تنعدم السبل. إذ يشير قطايا إلى “إمكانية اختيار تطبيقات أخرى أكثر أماناً. فيمكن استبدال تطبيق واتساب بتطبيق “سيغنال” Signal لأن الاتصالات وتبادل المعلومات عبره مشفَّرة”.ويضيف قطايا أنه “يجب مساءلة الشركات عن حقوق مستخدميها، وعن تقاريرها للشفافية التي يفترض أن تصدرها لتؤكِّد بواسطتها التدابير المعتمدة لضمان النزاهة والشفافية. وشركة “ميتا” Meta لم تصدر حتى الآن تقريرها للشفافية العائد للربع الأخير من العام 2023، فهل هذا يعني تأكيد الاختراقات في غزة ولبنان ومناطق أخرى من العالَم؟ وماذا سيكون تعليق الشركة فيما لو حصلت الاختراقات في بلدان أخرى غير فلسطين ولبنان، هل سيكون ردّ فعل الشركة هو نفسه اللامبالاة الحالية؟”.وسط التجاهل الدولي لما يحصل في فلسطين ولبنان من انتهاك للحقوق الإنسانية، تصعب إمكانية ملاحقة المتورّطين في تسهيل حصول إسرائيل على البيانات والمعلومات الرقمية. ومن هنا، يقول قطايا بأنه “على اللبنانيين التقليل من تداول المعلومات والصور المتعلّقة بالحرب وتلك التي تبيِّن تأييدهم للمقاومة، لأن العدوّ لديه ذكاء اصطناعي متعلّق بوسائل التواصل الاجتماعي، يساعده في تتبُّع الأشخاص الناشطين ويصنّفهم على أنهم أعداء لإسرائيل، وقد يلجأ العدوّ إلى قتل هؤلاء أو في أحسن الأحوال قد يستهدفهم بهجوم سيبراني مثل نشر الفيروسات الرقمية على أجهزتهم الإلكترونية”.