الراعي: هذا ما يحتاجه لبنان لكي ينجو!
ألقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عظة الأحد في بكركي، في اليوم العالمي للصلاة من أجل الدعوات، بعنوان “ارموا الشبكة إلى يمين السفينة تجدوا”.(يو 21: 6)، في حضور رئيس هيئة التنسيق العليا للمزارعين في لبنان وبعض من أعضائها، إذ “جاؤوا ليطلقوا صرختهم الاستنكاريّة لما حصل مع المملكة العربيّة السعوديّة من جرّاء عمليّة تهريب مخدّرات داخل إحدى المنتوجات الزراعيّة، وهي ليست لبنانيّة ولا على اسم أيّ مزارع أو مصدّر لبنانيّ، ولمطالبة الدولة اللبنانيّة إجراء تحقيق سريع لكشف الفاعلين والمهرّبين وإنزال أشدّ العقوبات بحقّهم، وبالتالي معالجة هذه المشكلة مع المملكة العربيّة السعوديّة الصديقة. وهي السند الاكبر للمزارع اللبنانيّ من خلال تصدير أكثر من ثمانين بالماية من الإنتاج إليها”.
وقال الراعي: “نحن من جهتنا اتّصلنا ظهر أمس بوليد البخاريّ سفير المملكة الموجود حاليًّا في الرياض، وأبلغناه استنكارنا، وطلبنا إليه نقله إلى المملكة مع التمنيّ بأن تأخذ في الإعتبار أوضاع لبنان والمزارعين الشرفاء”، مطالباً “الدولة اللبنانيّة بالمحافظة على صداقاتها مع الدول العربيّة، وبخاصّة مع المملكة السعوديّة لما لها دائمًا من مواقف ومبادرات إيجابيّة لصالح لبنان واللبنانيّين، وانضمّت إليها دول التعاون الخليجيّ التي نعبّر لها هي ايضًا عن أسفنا الشديد لما جرى”، متأسّفاً “في العمق لتهريب مخدّرات عبر دولة صديقة أخرى هي اليونان”، متسائلاً: “هل هكذا أصبح لبنان في أيّامنا؟”.
وتمنّى الراعي: “لو يسمع المسؤولون عندنا صوت الله في ضمائرهم، وصوته من خلال معاناة المواطنين اللبنانيّين الذين أصبح 50% منهم تحت مستوى الفقر، فيما كانت الطبقة المتوسّطة تفوق 80 % من الشعب اللبنانيّ وتشكّل ركيزة إستقراره، وصوته من خلال انهيار الدولة بمؤسّساتها واقتصادها وماليّتها ومعيشة شعبها، لكانت تألّفت الحكومة منذ تعيين رئيسها بالإتّفاق مع رئيس الجمهوريّة، وزُلّلت العقبات، وبُوشر سريعًا بالإصلاحات وترميم المرفأ وإعادة إعمار بيروت، وأُوقف الهدر، وأُقفلت معابر التهريب المستور والعلنيّ، وضُبطت مداخيل المرافئ والمطار، وأُجريت الإصلاحات الأساسيّة والملحّة”، مضيفاً: “بانتظار عودة دورة الحياة الإقتصاديّة إلى طبيعتها، من الضرورة بمكان إصدار البطاقة التموينيّة للعائلات المعوزة، تعويضًا عن إعادة النظر بسياسة الدعم”.
وأكّد بطريرك الموارنة أنّ “لبنان بحاجة، لكي ينجو من حالة بؤسه وتفكّك مؤسّساته، إلى حكومة وطنيّة من اختصاصيّين مستقلّين عن الأحزاب، يتمتّعون بالقدرة على التعاطي في الشأن العام، وحُسن الحوكمة، ومعرفة التوفيق بين الخبرة المهنيّة والحسّ السياسيّ. حكومةٍ يتمّ تأليفها بمنطوق الدستور وروحه، وبالمساواة الميثاقيّة، بعيدًا عن المحاصصة السياسيّة واستملاك الطوائف.ورغم إقدامِ البعض على ربطِ تشكيلِ الحكومةِ بالتطوّراتِ الإقليميّةِ والدوليّة، فهناك أكثرُ من مَسعى عربيٍّ ودوليٍّ لدفعِ المسؤولين إلى الإسراعِ بتأليفِ الحكومة سريعًا”، مشيراً إلى أنّ “آخِر رسالةٍ بهذا الشأن أتت من قداسةِ البابا فرنسيس الذي ربط زيارته إلى لبنان بوجود حكومة. فجريمةٌ أن يُفوِّتَ المسؤولون هذه الفرصةَ، خصوصًا أنَّ بها يتعلقُ مصيرُ المساعداتِ والإصلاحِ، ونهضةُ الاقتصاد، وعودةُ أموالِ المودعين، وعودةُ لبنان إلى نفسه والعالم”.
وأعرب الراعي عن ذهوله “ونحن نرى على شاشاتِ التلفزة واقِعةً قضائيّةً لا تَـمُتُّ بصلةٍ إلى الحضارةِ القضائيّة ولا إلى تقاليد القضاءِ اللبنانيّ منذ أن وُجِد”، معتبراً أنّ “ما جرى يشوّه وجه القاضي النزيه والحرّ من أيّ إنتماء، ذي الهيبة التي تفرض إحترامها واحترام العدالة وقوانينها”، مؤكداً: “نحن نُصِرُّ على أن يكافح القضاءُ مكامنَ الفساد والجريمة بعيدًا عن أيّ تدخّل سياسيّ. ونصرّ على أن تعودَ الحقوقُ إلى أصحابها، لاسيّما الودائعُ المصرفيّة”.
وتابع الراعي: “ما جرى، وهو مخالفٌ للأصول القضائيّة والقواعد القانونيّة، قد أصاب هيبة السلطة القضائيّة واحترامها وكونها الضمانة الوحيدة لحقوق المواطنين وحرياتهم في خلافاتهم في ما بينهم، وفي نزاعاتهم مع السلطة والدولة، وبتنا نتساءل بقلق عظيم عن ماهية ما حصل وخلفياته. وإن كان ليس من شأننا، أو من شأن أحد، التدخّل في مسار التحقيقات القضائية، أو إتّخاذ موقف من صحّة أو عدم صحّة الأفعال موضوع التحقيقات، إلّا أنّنا لا يمكننا السكوت عمّا يجري والتعبير عن مخاوفنا من مثل هذه الممارسات التي تضرب ما تبقّى من صورة الدولة، ما يدفعنا إلى رفع الصوت لإعلان رفضنا المطلق لهذا الانحراف ومطالبة المسؤولين بضبط هذا الانفلات الخطير وتفادي سقوط السلطة القضائية بالكامل، إذ أنّ سقوطها يشكّل الضربة القاضية لدولة الحق والمؤسسات”.