عندما وقعت حادثة خطف وقتل منسق القوات في جبيل باسكال سليمان حاول القواتيون ومعهم بعض الحلفاء إلقاء اللوم على حزب الله كالعادة، وباشروا باعتماد سردية الجريمة السياسية وكادت منطقة كسروان – جبيل تتحول الى ساحة نزاع طائفي، ولولا جهود مخابرات الجيش اللبناني المكثفة والتي أسفرت عن إلقاء القبض على منفذي الجريمة لكان الصراع الطائفي قد تصاعد واستمر حتى اليوم.ولكن بعد الكشف عن القاتلين وهم من الجنسية السورية انتقل الصراع الى النازحين السوريين حيث ارتفع الخطاب التجييشي ضدهم وأدى الى صراعات وإشكالات في اكثر من منطقة، وكل ذلك على وقع ارتفاع منسوب القلق من هذا الملف الذي يشكل قلقاً كبيراً للبنانيين وجيرانهم من الاوروبيين، في قبرص تحديداً.
منذ سنوات لم يعد الهروب من سوريا لاسباب أمنية، بل لأسباب اقتصادية كون سوريا تعاني اقتصادياً ما لم تعانيه في سنوات الحرب الأولى، فكان لبنان ملاذاً اقتصادياً ثببته المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون النازحين والتي توزع الأموال على السوريين، ولكن مؤخراً ساءت الظرف الاقتصادية في لبنان بشكل كبير، كما ان الأموال المخصصة للمنظمات تقلصت ولم تعد تلبي الحاجات المطلوبة، لذلك بدأ مسلسل هرب السوريين ومعهم بعض اللبنانيين الى أوروبا عبر البحر.
فور انطلاق هذه السوق تشكلت العصابات المنظمة التي تهتم بعمليات التهريب هذه، وقد زاد نشاطها خلال الفصل الأول من العام الحالي ليُعادل تقريباً كل نشاطها العام الماضي، فبحسب مصادر أمنية ترتفع أعداد محاولات الهروب عبر البحر منذ الشهر الأول للعام الجاري بشكل كبير، حتى بات هناك ما يزيد عن 60 محاولة هروب، آخرها كان الأسبوع الماضي عندما لم تتمكن ثلاث محاولات من النجاح في الوصول الى قبرص، وهو ما رفع عدد محاولات السفر في شهر نيسان فقط الى حوالى 15 محاولة، وقد انتشر فيديو يُظهر عودة احد القوارب الى لبنان بعد طرده ومنعه من دخول المياه القبرصية.
تكشف المصادر الأمنية أن عصابات التهريب مكونة من لبنانيين وسوريين، وهي تتكفل بالهارب من سوريا الى القارب، فتبدأ المسألة في سوريا من خلال تجميع الراغبين بالهروب في مكان قرب الحدود اللبنانية، من قبل سوريين مختصين بهذه المسألة، وبعد أن تصبح الأعداد كبيرة تقوم هذه المجموعة بإيصال السوريين الى نقطة على الحدود اللبنانية السورية قرب عكار، وينتهي عملها ويبدأ عمل المجموعة الثانية المكلفة إدخال السوريين الى لبنان، فتقوم هذه المجموعة بالتعاون مع لبنانيين يمتلكون أراض حدودية بإدخال السوريين الى أحد المنازل في عكار ريثما يتم تجهيز القوارب.
بعدها يتم نقل السوريين من قبل مجموعة ثالثة من المنزل في عكار الى النقطة المتفق عليها للصعود بالقارب وبعدها الى البحر، وتُشير المصادر الى أن لكل دولة أوروبية سعرها، والأرخص هي قبرص، حيث تكلف العملية كلها ما بين 2500 و3000 دولار أميركي للفرد الواحد، يتم دفعها وتقسيمها على كل مراحل العملية، مع الإشارة الى ان بعض اللبنانيين يقبضون ثمن مرور المهربين في أراضيهم على الحدود بين لبنان وسوريا.
ولأن قبرص هي الأرخص حيث كلفة الهروب الى إيطاليا او اليونان تكلف ضعف المبلغ المخصص للهروب الى قبرص، تتزايد أعداد محاولات الهروب إليها، وهو ما أدى الى استنفار سياسي قبرصي وأوروبي، وأيضاً استنفار عسكري حيث كثفت قبرص تواجدها في المياه الإقليمية مقابل لبنان لمنع القوارب من المرور والنجاح في الوصول الى الشواطىء القبرصية.
تؤكد المصادر الأمنية ان هذه العصابات تهتم بالكسب المادي فقط لا غير ولا يعنيها حياة الهاربين، لذلك لا تكون القوارب مجهزة وقد سمعنا الكثير من الروايات حول هذه المسألة، مع العلم أن دفع المال المتوجب على الفرد يتعلق بإيصاله على القارب فقط وبالتالي من يصل أو لا يصل لا تُرد له الأموال.