بالأرقام: لبنان الأكثر نموّاً باستخدام الطاقة الشمسية في 2022… والطلب لا يزداد!
رب ضارة نافعة، ورب حاجة أخذت بالناس الى الأفضل. فغياب الكهرباء وموتها السريري حدا باللبنانيين الى البحث عن مصادر طاقة أكثر استدامة وأقل كلفة.
الناظر الى قرى لبنان من عل تلفته منافسة الألواح الفضية على أسطح المنازل القرميد الأحمر الذي كان يزيّن سطوحهم تاريخياً. فما بين 20 الى 30% من بيوت القرى والبلدات أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على كهرباء الطاقة الشمسية، ومعها معظم المصانع والمصالح الكبرى ومؤسسات المياه والمستشفيات ومراكز الخدمات العامة.
لجوء اللبنانيين بكثرة الى الاعتماد على الطاقة الشمسية، ليس مرده الى وعي مستجد حول ضرورة الاعتماد على الطاقة المتجددة وإسهامهم في محاربة تلوث الهواء، بل الى المعاناة التاريخية مع معضلة الكهرباء التي تعاظمت في الاعوام الاخيرة ما جعلهم يلجؤون الى تركيب أنظمة يتفاوت إنتاجها ما بين إضاءة وخدمات منزلية الى تزويد المعامل والمصانع وتشغيلها على الطاقة الشمسية. وقد أسهم بتعزيز نموّ هذه الظاهرة الحميدة سرعة وسهولة تركيبها خصوصاً في القرى والبلدات حيث معظم المنازل منفردة أو أقله مزدوجة ومستقلة بعضها عن بعض، فيما نسبة التركيب متدنية جداً في المدن المكتظة بسبب ضيق مساحات أسطح الابنية والخلافات التي نشبت بين المالكين والمستأجرين.
وساعدت الكلفة “المحمولة” نسبياً على ميزانية المواطنين (ما بين 3 الى 5 آلاف دولار لتركيب نظام منزلي واحد) على انتشارها، فيما لو قُيّض لخطة مصرف الإسكان لدعم تمويل تركيب أنظمة منزلية بالعملة الوطنية (بقدرة 5 أمبير) أن تنجح لكان لبنان الذي احتل المرتبة الأولى عالمياً في عام 2022 بنمو الطلب على استخدام الطاقة الشمسية أن يتبوأ المركز الأول أيضاً في عام 2023. ولكن الشركات تردّدت في توقيع عقود بالليرة اللبنانية لخوفها من اشتعال أسعار الصرف وتكبد الخسائر، علماً بأن مصرف الإسكان، وفق ما أفاد مديره العام أنطوان حبيب لـ”النهار” تلقى نحو 3 آلاف طلب ذات صلة، ولكنه لم يستطع تلبيتها أمام إصرار الشركات على القبض بالدولار.
وفيما أكدت مصادر عاملة في القطاع تراجع نسبة تركيب الانظمة خلال الأشهر الستة الاخيرة، يأمل كثر أن يستعيد القطاع نشاطه في أوائل السنة المقبلة بعد سريان الإعفاءات الجمركية على جميع اللوازم والمعدات ذات الصلة بتركيب أنظمة إنتاج الطاقة المتجددة.
المدير العام للمركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري أكد لـ”النهار” أن إجمالي عدد أنظمة الطاقة الشمسية على كافة الأراضي اللبنانية يقدر بنحو 75 ألفاً وهو رقم جيد نسبياً برأيه. هذه الانظمة موزعة بين القطاع المنزلي والصناعي والتجاري والقطاع العام. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة IEA فإن لبنان أسرع بلد في العالم نمواً في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية خلال عام 2022 وتليه إيطاليا ثم فرنسا، وتعود أسباب هذا النموّ السريع الى عاملين أساسيين وفق خوري أولهما ارتفاع رسوم الكهرباء، وثانيهما عدم استدامة التيار الكهربائي.
وإن كانت نسبة التركيب تراجعت في عام 2023، فإن خوري يعوّل على القرار الصادر عن وزيري المال والطاقة الذي يقضي بإعفاء الأجهزة والمعدات التي تعمل على الطاقة الشمسية من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم الجمركية بما فيها الرسم المقطوع الـ3% (تطبيق مندرجات أحكام المادة 72 الوارد في القرار 640/ من قانون الموازنة العامة لعام 2022)، وتالياً ستخفض الضرائب كافة عن الطاقة الشمسية بنسبة 18% تقريباً، بما يعني أن أسعار الطاقة الشمسية ستنخفض تلقائياً بين 15% و18%. وهذا الأمر قد يساعد برأي خوري على تشجيع المواطنين على الاعتماد على الطاقة الشمسية، خصوصاً أن ثمة 300 شركة تعمل بقطاع الطاقة الشمسية في لبنان وهذا يعني وجود منافسة قوية في السوق.
ويرى خوري أن الاعتماد على الطاقة الشمسية خفض الضغط على مؤسسة كهرباء لبنان التي أصبحت قادرة على تأمين الكهرباء بين 4 و5 ساعات يومياً، بدليل أن الطلب على الطاقة انخفض من 2500 ميغاواط قبل الأزمة إلى 1700 ميغاواط بعد عام 2019، مع ارتفاع نسبة ازدياد الطلب على الطاقة الشمسية ومع تغيّر سلوك المستهلك واتجاهه نحو التوفير بسبب ارتفاع رسوم الكهرباء.
الى ذلك، يلفت خوري الى إسهام استخدام الطاقة الشمسية بخفض الضرر البيئي، إذ يشكل استخدام الأنظمة الشمسية بين 20% و30% من الطاقة في لبنان، وتالياً فإن نسبة التلوث انخفضت نحو 30% خصوصاً أن قطاع إنتاج الكهرباء من المعامل من أكثر القطاعات تلويثاً للبيئة في لبنان.
المهندس الطاقوي في المركز اللبناني لحفظ الطاقة هادي أبو موسى يوضح تطور تركيب ألواح شمسية كهروضوئية بقوة 777 ميغاواط خلال عامي 2021 و2022، إذ بلغت القدرة المركبة التراكمية 869 ميغاواط بحلول نهاية عام 2022.
ويشير الى أن ثمة فارقاً كبيراً في تطور الأرقام منذ عام 2010 حتى عام 2022، إذ لم تتعدَ القدرة المركبة لمجموع الألواح 0.33 ميغاواط خلال عام 2010، فيما بدأت سوق الطاقة الشمسية تشهد نقلة نوعية منذ عام 2021، فزاد الطلب على تركيب الألواح بما زاد الطاقة بمجموع 114 ميغاواط عما كانت عليه في عام 2020، وكانت الذروة 663 ميغاواط في عام 2022، أي إنه خلال عامين فقط تم تركيب ألواح شمسية كهروضوئية بقوة 777 ميغاوات، وبلغت القدرة المركبة التراكمية 869 ميغاواط بحلول نهاية عام 2022.
وشرح أن 65% من مجموع القدرة المركبة خلال عام 2022 اختارت الأنظمة الكهروضوئية المزودة بالبطاريات، أي بمعدل قدرة تصل إلى 564262 كيلوواط لمجموع اللوحات المركبة، لافتاً الى أن ما تنتجه ألواح الطاقة تبلغ ذروتها عند منتصف النهار عندما تكون أشعة الشمس في أوجها، فيما تحفظ البطاريات الطاقة خلال النهار بغية الإفادة منها ليلاً.
وعن نسبة توزيع الأنظمة الكهروضوئية حسب المحافظات وتحديدا ً خلال عام 2022، أشار الى أن محافظة جبل لبنان تأتي في المرتبة الأولى بنسبة 34% أي بحدود 296.15 ميغاواط، تليها محافظتا البقاع والجنوب بنسبة تصل إلى 12%، ثم شمال لبنان بنسبة 11%، ثم محافظتا بعلبك الهرمل والنبطية بنسبة 10%، أما بيروت وعكار فهما الأقل استخداماً لتلك الأنظمة بنسبة لا تتعدى 6%.
أما الأسعار، فقد شهدت تحولاً ملحوظاً، إذ يشير أبو موسى الى انخفاضها من 7186 دولاراً/كيلوواط خلال عام 2011 الى نحو 1019 عام 2022 على خلفية التطور التكنولوجي الذي شهدته أنظمة الطاقة في العالم، إضافة الى المنافسة التي تشهدها السوق العالمية عموماً واللبنانية خصوصاً.
من ناحية أخرى، يوضح أبو موسى أن لكل نظام مواصفاته وميزاته. فالأنظمة الكهروضوئية ذات الأنظمة المزوّدة ببطاريات، أسعارها مرتفعة أكثر من تلك التي لا تملك بطاريات. وخلال عام 2022 بلغت أسعار الأنظمة الكهروضوئية غير المزودة ببطاريات 772 دولاراً/كيلوواط، فيما وصل سعر الأنظمة الكهروضوئية المزودة بالبطاريات إلى 1382 دولاراً/الكيلوواط.
ولكن هل ستنخفض الأسعار مع قرار إعفاء الأجهزة والمعدات التي تعمل على الطاقة الشمسية من الضرائب والرسوم؟ يتوقع مدير قسم الطاقة في بوتك شربل أبي يونس أن تنخفض الأسعار بنسبة 10%، ولكن ذلك لا يعني ارتفاع الطلب عليها. فالطلب على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، انخفض بنسبة 70% وذلك بعد الذروة التي شهدها في عام 2022 حتى شهر آذار 2023 حيث تم تركيب 800 ميغاواط. ومن يعمد حالياً الى تركيب هذه الأنظمة، وفق ما يقول، هم أولئك الذين يشيدون منازل جديدة، أو الذين توافرت لديهم الأموال، علماً بأن الطلب خفّ حالياً من المنازل السكنية، ويتركز من الصناعيين والمراكز التجارية.
ويشرح أن استخدام الصناعيين للطاقة الشمسية يخفض عليهم فاتورة الكهرباء بين 30% و40%، فيما يمكن أن يسترجعوا الكلفة التي تكبّدوها جراء تركيبهم أنظمة الطاقة الشمسية خلال عامين، أما المنازل فيمكن لأصحابها استرداد الكلفة في خلال 4 سنوات أو 5 سنوات حسب الأنظمة وكلفتها، علماً بأن استخدام الطاقة الشمسية يمكن أن يخفف فاتورة الكهرباء المنزلية بنسبة 90%.