برّي وميقاتي يُصَعِّدان: هل تُكشَف ملفّات “مشبوهة” لنواب الحاكم؟
تخطّى رئيسا مجلس النواب نبيه برّي ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي، السجال القائم حول متابعة النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان مهامهم، بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، أو استقالتهم وما يليها. وحسمَ الرئيسان قرارهما بالتصعيد نحو الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء يوم غد الخميس، للبحث في تعيين خلفٍ لسلامة. وإذا كان ميقاتي أكثر دبلوماسية في طرحه، من خلال دعوته للبحث في “مستجدات الوضعين المالي والنقدي”، كان برّي أكثر جذرية بتأكيده أن جلسة الخميس ستكون “لتعيين حاكم جديد”. ومع انتقال الرئيسان إلى موقع جديد، بعد إصرار النواب الأربعة على التنحّي، تطفو على السطح احتمالات “فتح ملفّاتٍ لنواب الحاكم.. وسيتم الكشف عن بعض الأمور”، على حد وصف مصادر على تواصل مع نواب الحاكم.الاستقالة في مجلس الوزراءلم يقدِّم النواب الأربعة (وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان) استقالاتهم بعد. وفي حال اتخاذهم هذا القرار بشكل نهائي، على مجلس الوزراء الفصل فيها بأكثرية الثلثين، ومن هنا، تبدأ رحلة مرجَّحة، وهي اللعب على المهل التي يمكن لمجلس الوزراء المناورة بها كسباً للوقت، بانتظار التوافق السياسي على إسم حاكم جديد للمركزي ورئيس للجمهورية.وحسب ما يرجّحه بعض المطّلعين على الملف “سيبحث مجلس الوزراء ما سيؤول إليه سعر صرف الدولار في السوق، أولاً بعد إعلان النواب استقالاتهم، وثانياً بعد انتهاء ولاية سلامة”. فسعر الصرف هو الهاجس الأساس للمواطنين والطبقة السياسية.الخطوة الثانية أمام مجلس الوزراء هي التعامل مع الاستقالات. والمجلس “غير مُلزَم بوضع الاستقالات على جدول أعمال الجلسة الأولى التي تلي تقديمها. فلديه مهلة شهرين للبتّ بها. كما أن وضعها على جدول الأعمال، يمكن أن يُقابَل بتأجيل حسمها وطلب المزيد من الوقت لنقاشها. كما يمكن للوزراء تعطيل تأمين نصاب الثلثين لتفادي الموافقة عليها سريعاً”.
استعجال الاستقالة وفتح الملفّاتحاولَ نواب الحاكم استغلال انقسام القوى السياسية حول مصير الحاكمية بعد سلامة، وربط تعيين حاكم جديد بوجود رئيس للجمهورية. وبالتوازي، وتحت وطأة “قرارٍ سياسي”، رَفَعَ نواب الحاكم سقفهم إلى حدّ “التهديد بالاستقالة”. وترى المصادر في حديث لـ”المدن”، أن النواب “تسرّعوا في التصعيد والتصرُّف كأنهم محميون سياسياً أو أن القوى السياسية ستنصاع لرغباتهم”.تصعيد النواب “سيُقابله فتحٌ لملفاتهم بالتزامن مع البحث عن مخرج لتسيير أعمال الحاكمية”. فحتّى وإن بقوا في مناصبهم بتكليف من مجلس الوزراء بعد قبول استقالاتهم، فلن يعني ذلك اختتام رحلتهم، بل بداية فصل جديد من إطلاق النار المعنوي عليهم، منعاً لوضعهم في إطار خالٍ من العيوب، سيّما وأنّهم صوّروا أنفسهم في مكانٍ بعيد من المسؤولية عن قرارات سلامة، خصوصاً في ما يتعلَّق بإنشاء منصة صيرفة وإدارة حركة التداول ضمنها. والمنصة كانت أوّل ما هاجمه النواب وأكّدوا معارضتهم لإنشائها.وفتح الملفّات سيتضمَّن “البحث عن كل ما يمكنهم الاستفادة منه بوصفهم نواباً للحاكم أو موظفين في مصرف لبنان”. وتؤكّد المصادر أن بعض المزايا التي يتمتَّع بها نواب الحاكم أو الموظفون في المصرف المركزي “مثل القروض من دون فوائد، أو تحويل الليرة إلى دولار بالسعر الرسمي أو أسعار أقل من السوق، قد تكون عادية، واستفاد منها كُثُر قبل النواب الأربعة، وهي حق لهم كما كان لغيرهم، لكن الفارق هو الاستفادة في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية. فما اعتُبِرَ عادياً قبل العام 2019، ليس كذلك بعده، لأن قيمة الدولار مختلفة وحجم الدولارات لدى مصرف لبنان وتأثيرها في السوق مختلف أيضاً”.ولذلك، قد يبدأ الهجوم على النواب كعقاب لهم، حتى وإن صحَّ الحديث عن دفعهم للاستقالة لأسباب سياسية. فالتضحية بهم في تلك الحالة تصبح ضرورية لعدم إحراج أي فريق سياسي قد يدعمهم أو يدافع عنهم.السكوت لثلاث سنواتالتصعيد في وجه نواب الحاكم ينطوي على تحميلهم جزءاً من المسؤولية الناتجة عن تداعيات قرارات رياض سلامة. ووفق مصادر متابعة “لم يعترض النواب على شيء من قرارات سلامة، ومن ضمنها منصة صيرفة إلاّ في وقت لاحق لإنشائها وانطلاق عملها. ولم يصل الاعتراض إلى وزارة المالية، باستثناء اعتراضات لا يتخطّى تاريخها بضعة أشهر خلت، في حين أنه كان أمام النواب سنتان للاعتراض على صيرفة ونحو 3 سنوات للاعتراض على قرارات أخرى”.الخطوة الأجرأ التي كان على النواب اتخاذها في وقت سابق، هي “الاعتراض على سياسات سلامة داخل المجلس المركزي”. علماً أن المادة 32 من قانون النقد والتسليف، وفي القسم المتعلّق بتنظيم المصرف المركزي، تنص على أنه “يمكن للمجلس، بناءً على طلب أحد أعضائه، إذا ما اعتبر هذا الطلب معلّلاً تعليلاً كافياً، أن يعلّق تنفيذ قرار ما ثلاثة أيام على الأكثر. وتجري في المهلة المحددة مذاكرة جديدة حول المسألة المعلقة. ويمكن وضع القرار المتخذ في الاجتماع الجديد موضع التنفيذ”. أي أن القانون أتاح الاعتراض والاستفادة من الوقت لتقديم طروحات مختلفة ومناقشتها. وكان يمكن للنواب تعطيل جلسات المجلس المركزي كلّما أراد سلامة تمرير قرارات تدعم سياساته، التي يقول النواب أنهم يعارضونها. وكان بإمكانهم عقد مؤتمرات صحافية يعلنون فيها معارضتهم وبدائلهم.إنزلق نواب الحاكم، بعلمهم أو بعدمه، إلى سجالٍ سيدفعون كلفته سواء استقالوا أم لا. فتصعيدهم غير المُغطّى سياسياً بصلابة، سيجعلهم مسؤولين، بعيون الناس، عن أي انفلات مفاجىء لسعر الدولار، وهو أمر مرتقب مع بدء تقليص حجم ضخ الدولارات عبر منصة صيرفة.