بعد حديثه عن “هدم البلد بالترامادول”.. ما علاقة السيسي بحرق المقر الأمني؟
شب حريق هائل في مبنى مديرية أمن مدينة الإسماعيلية (شرق مصر)، فجر الاثنين، حيث أظهرت مقاطع فيديو مصورة احتراق واجهة المبنى الذي امتد الحريق لجميع أدواره مع تدخل متأخر من قوات الإطفاء الشرطية، والتابعة للقوات المسلحة، والخاصة بهيئة قناة السويس.
ورغم أنه لم يُعرف بعد سبب الحريق وآثاره ونتائجه النهائية إلا أن بعض المواقع المحلية أشارت إلى سقوط جرحى في الحريق الذي طال أكبر مباني المدينة الواقعة على الضفة الغربية للمجرى الملاحي لقناة السويس، التي يمر منها نحو 12 بالمئة من حجم التجارة العالمية.
وزارة الصحة المصرية أكدت إصابة 36 شخصا في رقم جرى رفعه لاحقا إلى 45 مصابا، تم نقل 26 للمجمع الطبي بالإسماعيلية، منهم 24 حالة اختناق وحالتا حروق، فيما أشار موقع “العربية” السعودي، إلى وقوع نحو 100 مصاب.
وفي الوقت الذي أمرت فيه النيابة العامة المصرية بالتحقيق في أسباب الحادث وملابساته، وأكدت في بيانها أن المعاينة أسفرت عن تفحم كامل المبنى القريب من مبنى إرشاد قناة السويس؛ فإنها لم تشر أي جهات رسمية إلى احتمال أن يكون الحريق نتيجة عمل إرهابي، ولم توجه الاتهام إلى أية جهة.
واستبعد الخبير الأمني والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، اللواء المتقاعد أحمد كامل، في حديث لموقع “بي بي سي”، أن يكون الحريق نتيجة حادث إرهابي.
“ملابسات الحريق”
ونشر أحد المواطنين مقطع فيديو لبداية الحريق من داخل أحد الأدوار العليا على يسار المبنى في الرابعة والنصف فجرا، لينتقل الحريق بسرعة كبيرة إلى الجانب الأيمن من المبنى الذي بدا واضحا خروج استغاثات مرعبة لأشخاص كانوا بداخله.
وكشف ذات المقطع الذي وصل إلى نحو ثلاثة أرباع الساعة عن تأخر سيارات الإطفاء، وقوات الحماية المدنية.
وبينت المقاطع والصور المتداولة للمبنى بعد إطفاء الحريق وجود سقالات على واجهة المبنى الجانبية، ما يشير إلى وجود أعمال صيانة للمبنى، فيما بدا عدم احتراق علم مصر الكائن فوق المبنى، الذي احترق بالكامل.
وأظهر أحد المقاطع سقوط أحد الأشخاص من الدور السادس بعد هروبه من النيران ومحاولته تسلق جدار المبنى، في مشهد مؤلم.
وكشفت الصحفية في موقع “اليوم السابع” المحلي، فتحية الديب، عن مقتل المقدم محمد رفعت لبدة، في حادث حريق مديرية أمن الإسماعيلية فجر اليوم.
“الأزمة الكبرى”
لكن الأزمة، هنا قد تكون أكبر بكثير من تواجد مجموعة من المجندين والضباط الذين كان بإمكانهم الهرب من الحريق الذي استمرت عمليات إطفائه وتبريد المبنى نحو 3 ساعات، بل تثار المخاوف من أن يكون الحريق قد طال مئات المحتجزين والسجناء والجنائيين.
وتتزايد مخاوف بعض الناشطين والحقوقيين بشكل خاص على المعتقلين السياسيين، الذين يتم وضعهم خلف أبواب حديدية مصفحة وأقفال وجنازير، ومع حدوث حريق بكامل أدوار المبنى فقد يتعرضون للموت حرقا أو اختناقا.
وهو السؤال الذي جرى طرحه في واقعة الاشتباكات بالأسلحة التي جرت بمقر الأمن الوطني في مدينة العريش بشمال سيناء، والتي راح ضحيتها ضباط ومجندون يوم 30 أغسطس الماضي، ولم يُعرف مصير المحتجزين في المبنى، حتى اليوم.
وتداول نشطاء قائمة من 11 اسما، قالوا إنها لمعتقلين من قبل الأمن الوطني، وكانوا محتجزين بمديرية أمن الإسماعيلية حتى يوم الأحد، وفقا لمحامين وحقوقيين.
“محتجزون بالدور السابع”
وطالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، من لندن، بالكشف عن مصير المختفين قسريا المتواجدين بالدور السابع بمبنى مديرية أمن الإسماعيلية، بعد الحريق الهائل الذي اندلع فجر الاثنين.
وأكد الحقوقي المصري ومدير الشبكة أحمد العطار، لـ”عربي21″، حصولهم على “معلومات مؤكدة على وجود العشرات بمقر الأمن الوطني والكائن بالدور السابع بمبنى المديرية قبل إندلاع الحريق”.
وأوضح أن “هذا التأكيد وثقته شهادة أحد الناجين من جريمة الإخفاء القسري من مقر الأمن الوطني بالإسماعيلية”.
وبين أنه وفق رصد سابق للشبكة الحقوقية وغيرها من المنظمات فإن “هذا المقر يجري اتخاذه لاحتجاز المختفين قسرا من أهالي سيناء والإسماعيلية”، مشيرا إلى أنه “يجري حجز الجنائيين في بدروم مديرية الأمن”.
“كارثة مريبة”
ووصف نشطاء ومتابعون حريق مديرية أمن الإسماعيلية فجر اليوم، بالخطير، وغير المسبوق بتلك الكيفية والسرعة والاتساع، مشيرين إلى أن الحريق أتى على المبنى بكامله وتركه قطعة من الفحم، بما في ذلك مقر الأمن الوطني الكائن في الدور السابع، وفق تأكيد الحقوقي المصري، أحمد العطار، لـ”عربي21″.
الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة، اعتبر الحريق “كارثة”، واصفا إياه بأنه “غريب مريب”، ووقع في “ساعة أكثر غرابة”.
وانتقد البعض ما اعتبروه الفشل في السيطرة على حريق بمقر أمني وليس ببناية سكنية، كون المباني الشرطية أكثر تحصينا وحماية، منتقدين تأخر سيارات الحماية المدنية وعدم وجود أوناش للإنقاذ خاصة وأن مقر الدفاع المدني بقرب مديرية الأمن.
وتساءل الحقوقي هيثم أبوخليل، عن غياب “أنظمة الإطفاء داخل مبنى بهذا الحجم والحيوية والأهمية”، مضيفا: “أين طائرات الإطفاء؟ وما سبب الحريق؟ ومن الذى يشعل النار في مصر؟”.
وهو ما يدعو لطرح التساؤل حول ما يكشفه الحريق عن حالة العجز الأمني والفشل الإداري حتى في حماية مقرات وزارة الداخلية، والاستهانة بحياة المسجونين والمعتقلين، بل وحتى المجندين والضباط.
“تهديد الترامادول”
ويثار التساؤل حول دلالات وقوع حريق مبنى مديرية أمن الإسماعيلية بعد يوم من تهديد السيسي بهدم مصر عبر توزيع الترامادول والأموال على 100 ألف شخص أو مليون شخص لعدة أسابيع.
وخلال مؤتمر “حكاية وطن”، الذي يشارك فيه السيسي بشكل يومي من العاصمة الإدارية الجديدة، لعرض إنجازات حكومته، قال الأحد: “أنا ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه”، مضيفا: “أدي (أعطي) باكتة (مخدر البانجو) و20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة، أنزله يعمل حالة”، مشيرا إلى إحداث اضطرابات وفوضى بالبلاد.
وهو ما يدعو للتساؤل: هل لجأ السيسي إلى سيناريو الفوضى؟ وهل نفذ تهديده بالأمس، وأراد أن يكشف عن ما يمكن أن يفعله من اضطرابات لتهديد جبهات وجهات في نظامه، مستهدفا مدينة الإسماعيلية المرتبطة بالممر المائي العالمي قناة السويس؟.
“نظرية الأرض المحروقة”
وفي هذا السياق، تحدث العديد من المراقبين والمتابعين للحالة المصرية عن أدوار أوكل بها النظام البلطجية للقيام بها كما كان خلال نهاية عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وهو الدور الذي بدا واضحا في منع أنصار المرشح المنافس للسيسي في رئاسيات مصر أحمد الطنطاوي من عمل توكيلات له.
وتحدث البعض عن أدوار محتملة وظهور أخير للرجلين الشهيرين في عالم الجريمة والسلاح المعلم صبري نخنوخ الذي خرج رغم حكم سجن بالمؤبد بقرار عفو رئاسي اعتمده السيسي، في أيار/ مايو 2018.
وكذلك رجل الأعمال المقرب من محمود السيسي نجل رئيس النظام ووكيل جهاز المخابرات العامة، إبراهيم العرجاني صاحب الأدوار المثيرة في شمال سيناء.
ويرى الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر، في حديثه لـ”عربي21″، أن الحادث قد يكون تم تنفيذه من قبل إبراهيم العرجاني رجل السيسي في سيناء والذي تشير أصابع الاتهام إلى دوره في اشتباكات مقر الأمن الوطني بالعريش.
وعبر صفحته بمنصة “إكس” (تويتر سابقا)، قال الإعلامي حافظ المرازي: “كان التهديد بنشر الجيش في 6 ساعات، دخلنا بالتهديد بالبلطجية و(نخنوخ) و(حماة وطن) ومليشيا بدل الجمل”، مضيفا: “هذا كان كلامه (السيسي) بالأمس، وهذا ما حصل بعد كلامه بساعات”، مؤكدا أنه “بدأ بتطبيق نظرية الأرض المحروقة”.
وقال الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال: “هذه خطته لإشاعة الفوضى، ومجموعات البلطجية التي تحركها وزارة الداخلية بخلاف مليشيات العرجاني ونخنوخ مُجهزون لذلك”.
“رسالة لا تخطئها عين”
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن بكر: “بعد ساعات من تهديدات السيسي، أمس أمام الشعب، وأمام مجلس القضاء الأعلى بهدم مصر بالبلطجية والترامادول؛ وقع الحريق المدمر لمديرية أمن الإسماعيلية والتي تضم مقر الأمن الوطني وفقا لمصادر”.وأضاف: “تابعت المقاطع المصورة عن مراحل وبدايات الحريق، ولاحظت أنه بدأ في وقت واحد بعدة طوابق مختلفة، وزاد في الانتشار بقوة وسرعة، وهو أمر غير ممكن حدوثه لو كان السبب تماسا كهربائيا”.
وأوضح أنه “كان من المفترض أن تعمل منظومة الإنذار والحريق، وتبدأ بالإطفاء، لكنها لم تعمل”، متسائلا: “فهل تم تعطيلها بفعل فاعل؟، أم إنها غير موجودة أصلا بمبنى هام كهذا؟”.
“لماذا الإسماعيلية؟”
يرى بكر، أن لوقوع الحريق في مدينة الإسماعيلية دلالات خطيرة، مشيرا إلى وجود “مقر رئاسة هيئة قناة السويس، وقيادات الجيش الثاني الميداني”، فيما تساءل مجددا: “هل هي رسالة للجيش والعالم؟”.
وأضاف: “هل تقول الرسالة إني قادر على تهديد أمن وسلامة المجرى الملاحي العالمي؟ وهل هي رسالة للجيش المصري مفادها أني قادر على نشر الفوضى والخراب، حول مقر قيادة الجيش الثاني، إذا ما حاول الجيش أو فكر في إقصائي عن حكم مصر”.
ووفق بكر، فإن ثاني الدلالات تكمن في أنه “بعد تقنين وضع مليشيات وبلطجية صبري نخنوخ، (بشراء شركة فالكون للأمن قبل أيام) بات واضحا أن السيسي، يريد استخدام البلطجية، ولكن تحت غطاء شركة فالكون”.
وتابع: “كما أن تهديده بهدم مصر جاء أمام المجلس الأعلى للقضاء، وأمام حاشيته التي جمعها في إطار حملته الانتخابية”.
بكر، وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد أن “المفارقة هنا هي أن مقر أمن الدولة بالإسماعيلية (الأمن الوطنى حاليا)، كان أول مقار أمن الدولة التي احترقت بعد ثورة يناير 2011”.
وأضاف: “هل تقول الرسالة إني قادر على تهديد أمن وسلامة المجرى الملاحي العالمي؟ وهل هي رسالة للجيش المصري مفادها أني قادر على نشر الفوضى والخراب، حول مقر قيادة الجيش الثاني، إذا ما حاول الجيش أو فكر في إقصائي عن حكم مصر”.
ووفق بكر، فإن ثاني الدلالات تكمن في أنه “بعد تقنين وضع مليشيات وبلطجية صبري نخنوخ، (بشراء شركة فالكون للأمن قبل أيام) بات واضحا أن السيسي، يريد استخدام البلطجية، ولكن تحت غطاء شركة فالكون”.
وتابع: “كما أن تهديده بهدم مصر جاء أمام المجلس الأعلى للقضاء، وأمام حاشيته التي جمعها في إطار حملته الانتخابية”.
وخلص للقول: “إذن فكل الدلائل القاطعة تقول إن السيسي نفذ تهديداته على عجل، ربما استباقا لموقف -يكون قد علم به- قد يتخذه المجلس العسكري بقبول ترشح الفريق محمود حجازي، أو حتى الانقلاب العسكري عليه”.
“مصير مجهول”
“يمكن التأكيد أن هناك قتلى ومصابين من المحتجزين السياسيين والجنائيين، بمشاهدة المقاطع المنتشرة بمواقع التواصل الاجتماعي عن الحريق، وأظهرت الصرخات ومحاولات البعض القفز بعد أن حاصرتهم النيران، وبعد الإعلان عن وجود زنازين احتجاز”.
وأضاف الكاتب الصحفي المعارض، أن “ما يعزز تلك الفرضية، هو صمت الداخلية.
وعدم الإفصاح عن أعداد الضحايا، الذين حتما تفحمت جثثهم”.
“أصابع العرجاني”
وأكد بكر، أن “الجميع بات يعلم أن مليشيات العرجاني تحظى بثقة محمود السيسي، نجل عبدالفتاح السيسي، وأنها نفذت الكثير من المذابح بالعريش وسيناء، وآخرها الهجوم على مقر الأمن الوطني بالعريش، والذي لم تعلن الدولة عن ملابساته حتى الآن”.
ويرى أنه لذلك “فمن غير المستبعد أن تكون مليشيات العرجاني الإجرامية، قد تورطت في حرق مبنى مديرية أمن الإسماعيلية”، ولأن “مصر أصبحت دولة تحكمها عصابة من البلطجية، فستظل تلك الكوارث والفضائح دون إعلان عن فاعلها، وملابساتها، وأعداد ضحاياها”.
وختم بالقول إن “سيناريو الفوضى بدأ، والسيسي يعتنق مبدأ: إما أحكمكم وأقتلكم، أو أقتلكم وأهدم البلد أيضا”.