توتر غزّة ينتقل إلى لبنان.. 3 أمور مفصليّة يكشفها “طوفان الأقصى”!
هجوم عملية “طوفان الأقصى” الذي نفذته حركة “حماس” ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، دخل التاريخَ من أبوابه الواسعة. حتماً، ما حصل، أمس، كان غير متوقع ومُباغتا، ويمكن القول إنّ إنجاز “حماس” التاريخيّ فرضَ رسالة حازمة ضد إسرائيل ومضمونها هو التالي: “المقاتلون لن يكونوا فقط خلف الجدران، بل أصبحوا أمامها وداخل التحصينات العسكرية المخروقة ميدانياً”.
المفارقة هيَ أنَّ آثار تلك العملية ونتائجها قد لا تبقى محصورة ضمن الداخل الفلسطينيّ، والدليل على ذلك العملية التي نفذها “حزب الله”، صباح اليوم الأحد، إذ استهدف بصواريخ موجّهة 3 مواقع إسرائيلية وهي: الرادار، زبدين، ورويسات العلم. الإنعطافة الأكثر خطورة على هذا الصعيد تمثلت في الرد الإسرائيلي على عملية الحزب، خصوصاً أن القصف الذي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية طال إلى جانب خراج مزارع شبعا وكفرشوبا، خيمة “حزب الله” التي تم نصبها في المزارع قبل أشهر قليلة.
هنا، فإنّ الأمور يمكن أن تشهد تصعيداً كبيراً لاسيما أنّ إسرائيل استغلت التوتر لتصفية حسابها مع “حزب الله” بشأن الخيمة، كما أنّه وجدت الإستنفار القائم ذريعة لإنهاء أي أمرٍ كان يهددها في السابق على قاعدة أن “الحرب مفتوحة”.
“لا حرب موسعة”؟
الآن، وبعد العملية التي نفذها الحزب في الجنوب وعقب إستهداف الخيمة، تتجهُ الأنظار إلى الرد الذي سينفذه “حزب الله”. ضمنياً، الخيمة تعتبرُ ورقة قوّة كبيرة إستخدمها الحزب مراراً للضغط على إسرائيل في ملف مزارع شبعا، كما أنها كانت عنواناً بارزاً لتوترٍ كبير عند الحدود خلال الأشهر الماضية.
ورغم كل التطورات القائمة، لا يمكن حسم ما إذا كانت الأمور ستذهب باتجاه حرب موسعة على جبهات عديدة، فالأمور ما زالت مضبوطة والسيناريوهات التي حصلت اليوم وقعت سابقاً. حالياً، ما يظهر هو أن “حزب الله” لم يقُم بعملية مماثلة لعملية غزة، فلا اقتحام ولا توغل داخل الأراضي الفلسطينية، كما أنّه لا اختراق للتحصينات الإسرائيلية، وبالتالي تبقى الأمور محصورة بمواجهة صاروخية “تقليدية” كما كان يحصلُ سابقاً.
وبالعودة إلى عملية “طوفان الأقصى” التي شكلت عصباً للتوتر في الجنوب، فإنه يجب الوقوف عند 3 أمورٍ أساسية أظهرتها وهي على النحو التالي:
أولاً: ما فعله المقاومون الفلسطينيون كان متوقعاً حصوله عند جبهة لبنان قبل غزّة، باعتبار أن “حزب الله” هدّد باقتحام الجليل من جنوب لبنان والتوغل باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وإحتلال قواعد عسكريّة.
ثانياً: آثار “الطوفان” الذي حصلَ من غزة باتجاه المستوطنات كانت معروفة مسبقاً بالنسبة للإسرائيليين، والدليل على ذلك كان من خلال الحديث عنها في تقارير كثيرة سابقاً، لكن الكلام هنا لم يكن يتعلق بهجوم من غزة، بل كان يتطرق إلى هجومٍ بري سيجري من لبنان وينفذه “حزب الله”. وإستكمالاً لهذه النقطة، كان الحديث الإسرائيلي يشيرُ إلى أنَّ أي عملية توغل لمقاتلي الحزب داخل المستوطنات سيؤدي إلى سقوط قواعد عسكريّة وأسرِ جنودٍ إسرائيليين وبسط سيطرة إستراتيجية على مواقع متقدمة. حقاً، هذا ما حصل في غلاف غزة وهو الأمر الذي كان متوقعاً حصوله أيضاً عند الحدود مع لبنان.
ثالثاً: في الواقع، كان التوغل الفلسطيني بالشكل الذي حصلَ مُفاجئاً جداً وكشف عن هشاشةٍ إستخباراتية لدى الجانب الإسرائيليّ. فعلياً، كانت خطوات تنفيذ العملية غير سهلة، إذ بدأت بإسناد صاروخي كثيف تبعها توغلٌ عنيف وعمليات أسر، في حين أن الإنعطافة الأكبر كانت في قدرة المقاتلين الفلسطينيين على العودة باتجاه غزة من دون مواجهة أي ردة فعل إسرائيلية فورية.
الأمورُ الثلاثة المذكورة تقودُ إلى إستنتاجٍ واحد أساسه إن إنجازَ غزّة كان “البروفة” التي يمكن أن تمهّد لـ”ضربة أكبر” على ساحات مختلفة. من جهةٍ أخرى، كانت إسرائيل تتهيأ لإقتحامٍ ينفذه “حزب الله” لكنها لم تتوقع أن تبادر كتائب “القسام” إلى خطوةٍ كان الحزب يهدّد بها مراراً وتكراراً. إضافة إلى ذلك، كشف مستوى تنفيذ العملية الأخيرة عن تحضيرٍ معمق لها وذلك رغم الإمكانيات المحدودة والحصار المفروض على غزة والذي من شأنه أن يقيّد حركة المقاومين. ضمنياً، لا يمكن مقارنة قدرات “القسام” العسكرية بتلك التي يمتلكها “حزب الله”، فالتفاوت كبير وجبهة لبنان أكثر “متانة” عسكرياً، لكنه رغم ذلك كان الإنجاز النوعي الكبير الذي حققته “القسام”، وبالتالي فإن ما سيفعله “حزب الله” يجب أن يكونَ أكثر ضخامة تبعاً لقدراتهِ العسكرية .
لهذه الأمور وغيرها، بقيَ الإنجاز “فلسطينياً” بإمتياز، ولهذا السبب نأى “حزب الله” بنفسه عن الإنخراط مباشرة بأي عملية “مماثلة” من حيث نوعية التنفيذ والإقتحام، لأن ما حصل كان بمثابة “شرارة” لأخرى قد تأتي لاحقاً وقد يكون ذلك من لبنان هذه المرة. أما الأمر الأهم فهو أن ما حصل يعتبرُ إشارة من الفلسطينيين مفادها إنّ عمليات الإقتحام ليست صعبة ويمكن أن تتمّ تحت كثافة نارية وصاروخية من جهة، وضمن خطة واحدة منسقة تُدخل إسرائيل في حالة من التخبط العسكري والأمني من جهة أخرى.
إنطلاقاً من كل ذلك وأكثر، يمكن اعتبار عملية “طوفان الأقصى” بمثابة نقطة التحول الإستراتيجية على صعيد حركات المقاومة، ومن خلالها يمكن للجبهات الأخرى أن تستخلص العبر منها ودراسة نقاط القوة والضعف والإستثمار في النتائج خلال عملية أكثر توسعاً وتأثيراً.. وهنا، يُطرح السؤال الأكثر جدية: هل ستكون جبهة لبنان هي الوجهة المقبلة لـ”طوفان جديد”؟