جديد الكاتب اللبناني فرحان صالح: إله بأسماء كثيـرة – في نقد المرويات المؤسسة للفكرين الديني والقومي
ليلى دندشي
صدر لرئيس تحرير مجلة الحداثة اللبنانية الكاتب والمفكر فرحان صالح كتاب جديد تحت عنوان: إله بأسماء كثيـرة – في نقد المرويات المؤسسة للفكرين الديني والقومي، وجاء في 343 صفحة من القطع الكبير، ورقم الإيداع: “7127 / 2022”.
قدّم للكتاب المفكر والباحث د. جورج قرم، والعالم الاجتماعي المفكر والأكاديمي د. خليل أحمد خليل.
تناول قرم في كلمته: “فرحان صالح: مثال المثقف العربي المتأصل”، أنه “ليس من السهل وصف أعمال فرحان صالح الموسوعية الطابع، فهو مثقف متعدد الأوجه والاهتمامات ذات الطابع الانتروبولوجي في إطار نزعة حداثوية معمّقة”. وأضاف: “من هنا عمق التحليل عنده ودائمًا في إطار حداثوي النزعة. وهو قد أسس مجلة الحداثة التي أثرت الثقافة اللبنانية والعربية حيث تناولت مواضيع مختلفة تتعلق بالوعي القومي العربي وهموم الثقافة وقضايا الهوية والتراث. كذلك أصدر العديد من الكتب التي تناولت مواضيع مختلفة حول الثقافة العربية والهوية والتراث، المادية والوعي القومي عند العرب، وتطور المسألة الوطنية في لبنان بالإضافة إلى الإضاءة على الصناعات الحرفية… إلخ”.
وذكّر قرم بأن صالح “نظم سلسلة مؤتمرات حول الثقافة الشعبية في لبنان والشعر العامي، كذلك ساهم في المؤتمرات حول الثقافة الشعبية العربية في مصر. وله خمسة عشر مؤلفًا بمواضيع مختلفة تدلّ على مروحة اهتماماته الواسعة، وعلى اتجاهه الانتروبولوجي الذي يسود كتاباته”، مشيرًا إلى أنه عندما نستعرض عناوين مؤلفات صالح “يمكن أن نرى المروحة الواسعة لاهتماماته من قضايا جنوب لبنان إلى قضايا الوعي القومي عند العرب وجدلية العلاقة بين الفكر العربي والتراث ومشاكل الهوية العربية. ذلك يمكن أن نصف فرحان صالح بـمثال المثقف العربي المتأصل سواء في بيئته القطرية أم في وعيه القومي العربي. وقد جاء هذا المؤَلَف تتويجًا لقدراته البحثية ومسيرته الطويلة في الغوص في أعماق الوطن العربي السياسية والشعبية والثقافية”.
أما خليل فتحدث في كلمته عن “الفصْل بين الوهم والعلم”، ورأى في مقدمته للكتاب، أن أعمال فرحان “تجمع وتطرح معطيات عصرنا الثقافية، في محاولة جادّة للفصل بين الوهم والعلم، أعني بين الخيال والبحث الواقعي، وليس حصرًا بين الدّين أو السحر أو الأدب الأسطوري، والعلوم”.
وقال خليل: “في “إله بأسماء كثيرة…”، يأخذنا فرحان صالح إلى البحث عمّا يحدث حين يصطدم الوهمُ بالعلم، الكورونا الميثولوجية بالمختبرات والتكنولوجيّات. صحيح أن كتاب صالح يدور حول الديانات الميمية الثلاثية (موسى/ المسيح/ محمّد)، وتحديدًا حول الأساطير التي أنشأتها، والإيديولوجيات الصقلوبية أو ذوات العين الواحدة، والأحزاب أو الدول التي نبتت على ضفافها المتباعدة تارةً، والمتصادمة تاراتٍ. ولكن هذا لا يمنع من أن يسهم عملُه العلمي في التمهيد لسوسيولوجيا، بل لأنثروبولوجيا دينية، على مستوى الكوكب – حيث تتصادم ظهاريًّا (في العلن والخفاء) نحو عشرة آلاف جماعة عرقيّة، وتتداولُ حوالى ستة آلاف لسان/ لغة/ لهجة، على ناسيّات دينية/ سحرية/ أسطورية تفوق الأربعة آلاف؛ ولكل دين أو ديانة منها إله أو إلهة – ولكن لو سُمّيت الآلهة الشخصية واللاشخصية بآلاف الأسماء، لبقي لكل جماعة ثقافية إله خاص بها، طالما أن مفتاح العقد يتحوّل – عندها – إلى قُفل اعتقادي”.
وأكد خليل أن أعمال صالح “ستشكل إضافةً إلى المساهمات النقدية في تعرية العقبات المعرفية التي تعترضُ، فلسفيًّا، التكوين العلمي للعقلانية العربية المقبلة من وراء الحرائق الراهنة. ومن هذه العقبات نذكر، للمثال، الثلاثية التُّرهية (زندقة، هرطقة، علمنة)، التي حوّلت التنوير العربي والإسلامي إلى تدمير شبه كامل؛ ولكن الأمم الكبرى، في مداراتها الحضارية، تحتاج إلى قرون وأجيال لكي تخرج من كهوفها إلى أنهار تطوّرها وتقدّمها عالميًّا”.
وخلص خليل في تقديمه لكتاب فرحان بالقول: “هذا بحثٌ موثقٌ بمئات المصادر المرجعيّة، العربية والأجنبية، وموثوقٌ من حيث الاستفادة والإفادة على صعيد فلسفة العلوم. هل نجح فرحان صالح، هنا والآن، في الفصل العقلي بين الوهم والعلم؟ هل أحسن، هل أساء؟ هذا ما سيحكم عليه قارئ الحاضر وباحث المستقبل. أما أنا، وقد كتبتُ ما كتبت، وزرعتُ مخطوطات ختمتُها برسوم فكرية، وتقاعدتُ، فإنني أشكر للصديق الكريم إمتاعي بقراءة كتابه قبل نشره، وأتمنى له، ولعائلته، المزيد من الإزهار والإثمار”.
ضمّ كتاب فرحان ثلاثة أقسام، وكل قسم شمل عدة فصول ومباحث وخلاصة، ومكتبة بحث قُسّمت إلى مراجع عربية ومعربة وأجنبية.
ومما عالجه الكتاب في قسمه الأول الذي جاء تحت عنوان: “مرويات الأساطير في الفكر الديني – مقاربات جديدة في نصوص مقدسة وتراثية”، الفصول والمباحث الآتية: المعلمة الأولى والتحولات الكبرى، أولًا: جدلية الاستقرار والتشرد، وتناول: حواء تدجن آدم، والروح الممتدة في الطبيعة، ومن الأمومي إلى الأبوي، ونظرية داروين: البقاء للأقوى، وأمومي مشاعي – أم رأسمالي؟، والجذور الحضارية المؤسسة، وديانة حواء، والتفاحة واكتشاف المجهول، والأرض الخضراء وأشجار الخريف. وضم القسم أيضًا: ديوك السماء، وفي الأيديولوجيا والدين، والمدماك التأسيسي والبعد الميتافيزيقي، وموسى ويهوه، وصورة الإله الأول، وتجاوز المقدس بواسطة المقدس؟، والإله المكتفي في ذاته، والتقاويم الزمنية، وهيكل سليمان، والمسيح – السيره التقليدية، وصورة جديدة لعلاقة الله بالبشر، وعيسى/ يسوع/ المسيح… آدم الجديد، والأديان في أوهامها وتناقضاتها؟، ومرجعية الماضي وإقفال الاجتهاد. كذلك شمل القسم: مقاربات في السلوكيّات والتعاليم الدينيّة. وتطرق إلى التاريخ الديني بين العلم والخرافة، والموروثات الدينية حول آلهة الأرض، وتقلبات الطبيعة الولاّدة للخوف والدين، والأساطير الثلاث، والكيفية التي رسمت فيها الأديان الطرق للسيطرة (التجربة العبرانية)، والجنّة والنار- السلطة للسماء أم للأرض؟، والشك في مواجهة الخوف (“قرطاج” المدينة التي أسست لامبراطورية عالميّة)، وفلسطين في العهد الروماني، والأسس الأولى للتطرف الديني (مقاربة في السلوكيات الدينيّة)، والمسيحيّة حالة تجاوز التعاليم التوراتيّة والتقاء مع الأم الأرض، وولادة المسيحية وانكفاءة التوراة، وعودة إلى التراث العبري – اليهودي.
وتحت عنوان: “حينما تصبح الأسطورة تاريخًا يؤرخ به!”، عالج صالح: البحث في التاريخ عن اليهودية والمسيحية والإسلام، وأسطورة يهوه، وأساطير الأولين في تراث المسلمين، والمشروع المحمدي (المخاض والتمظهر والنماذج المعبرة عنه)، وأفول تقاليد وولادة أخرى بثوب جديد، ودور المرأة في الحدث الإسلامي، والأسطورة ترسم التاريخ: تحولات الحدث المحمدي، والتاريخ الإسلامي: قراءة جديدة، واللغة بداية لا خاتمة، واللغة والدين: الآرامية – السريانية لغة الوحي الديني والاجتماع البشري؟، والآرامية السريانية لغة التفاهم بين سكان الجزيرة والمشرق، والخلفية العقائدية لمحمد، وجبريل ونزول الوحي، ومشاركة اليهود والمسيحيين في المشروع المحمدي وعودة إلى السيرة الذاتية للرسول، والمشروع المحمدي بعد موت الرسول؟، واغتيال عثمان والعودة إلى حكم العائلة.
في القسم الثاني من الكتاب الذي جاء تحت عنوان: “القومية بجلباب ديني – في نقد الفكر القومي”، بحث صالح في: مقولات النهضة والفاشيات الجديدة، والأوهام غير المسوغة، والعروبة ليست دينًا، والموقف القومي من الأقليات القومية.
وتناول النظام الرأسمالي والخطاب العربي السائد، طارحًا على بساط البحث سؤال: قومية أم قوميات، والحداثة حاجة دينية؟، دارسًا عدة قضايا منها: التمسك بالتراث الماضوي، وقصور المشروعات، والأيديولوجيات السائدة، وروّاد الإصلاح الديني ومعضلة النهوض، وأزمة العقل العربي، وواقع المسلمين والحاجة إلى النقد الذاتي، ورؤية للإصلاح الديني، والحاجة إلى ثقافة إصلاح ديني، والإسلام والنهضة الحضارية المنشودة، والعقل أولًا، والواقع هو الأصل، والتفكير العلمي طريق التطور، والتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب، والدين: قراءة جديدة.
وركز صالح على إشكالية: “عروبة مواجهة أم عروبة موادعة؟”، ومما عالجه في هذا الإطار الموضوعات الآتية: زريق وخليل ورؤيتاهما للمسألة القومية، والفكر العربي والمسألة الدينية، والفكر القومي ودينامية الاستبداد، والقومية بجلباب ديني، والدوري – عمارة: ثنائية العروبة والإسلام، والجابري وسؤال الهوية، وقراءة جديدة للتاريخ العربي، والأمة العربية – المسألة القومية. وفي فصل طرح معادلة: “بين ثقافتي الرعي والمعلومات”، متوسعًا في الحديث عن: المسألة الثقافية، والثقافة والتثاقف والتنوع الثقافي، والثقافة والثقافة الشعبية، والثقافة الاستهلاكية والمصالح الاستعمارية، والثقافة والعولمة، والعولمة والصناعات الثقافية، ومن عصر الرعي إلى عصر المعلومات.
أما القسم الثالث من كتاب صالح فجاء تحت عنوان: “ثوابت “آلهة” التنوير والنهضة وتحديات تجاوز الجمود والمراوحة”، وعالج فيه: رجالات النهضة العربية ونساؤها، ودور الجمعيات الأهلية، والطهطاوي بين النهوض والعودة إلى التقليد، ومحمد عبده بين التراث والمعاصرة، وقاسم أمين ومسألة تحرير المرأة، والطاهر الحداد والحركة العمّالية، والمجلات النسائية، وتأسيس الخطاب النسائي، وعلال الفاسي والتوفيق بين الاجتهادات، وزينب فواز: خطاب نهضوي تأسيسي، وملك حفني والتغيير من الداخل، ونظيرة زين الدين ومسألة السفور والحجاب. وبحث القسم أيضًا في: “انكسار المشروع النهضوي وإخفاقات الحداثة”.
ومن الموضوعات التي طرحها صالح في كتابه أيضًا: جدل الدين والحداثة، ومآلات الدين في العالم الغربي، ومأزق الدين في العالم العربي، وجدل تيارات الفكر العربي الحديث، والولاية والخلافة بين السنة والشيعة، وتاريخية الدولة: من السلطة النبوية إلى السلطة الرعوية، ونحو صياغة عصرية للمجتمعات العربية، ومخاضات النهضة والألفية الثالثة، والحركات الإصلاحية ومؤثرات عصر النهضة، والأصولية والثورات العربية، والمشهد العربي بعد 2011.
وتحت عنوان: “الغرب والمسلمون”، قدم صالح: “أربعة مشاهد في الخطابات الأيديولوجية الغربية”، منها: ماذا بقي من عصر التنوير؟، والخطاب الغربي… تجديد للتمايز والسيطرة (خطاب الكراهية)، وفلسطين الضائعة بين “الشعب المختار” و”خير أمة أخرجت للناس”.
يشار إلى كتاب فرحان صالح الجديد يأتي استكمالاً لمشروعه الثقافي والفكري الذي دأب عليه في معظم مؤلفاته وكتاباته في السياسة والاجتماع والتاريخ والثقافة، فضلاً عن مساهمته في تأسيس دار الحداثة لنشر الفكر التنويري والحداثي، ومجلة الحداثة الفصلية المحكمة، وحلقة الحوار الثقافي مع مجموعة من المفكرين والمثقفين في لبنان والوطن العربي. فصالح في معظم كتاباته، يركز على نقد العقلية العربية الانهزامية، بهدف بلورة فكر عربي جديد يخرج من ثقافة الوهم والخرافة والاستسلام، إلى ثقافة العلم والمعرفة والوعي. وقد تجلى ذلك في عشرات المقالات والحوارات والأبحاث والدراسات والكتب التي نشرها حتى الآن. ومن أبرز مؤلفاته: جنوب لبنان: واقعه وقضاياه – 1973، والثورة الفلسطينية وتطور المسألة الوطنية في لبنان: حول أحداث لبنان – 1975، والمادية التاريخية والوعي القومي عند العرب: (الجذور) – 1979، والحرب الأهلية اللبنانية وأزمة الثورة العربية –1979، وجدلية العلاقة بين الفكر العربي والتراث – 1979، ولغة الجنوب (رؤى أدبية) – 1984، وهموم الثقافة العربية (1) – 1988، و(2)- 2007، وفي الهوية والتراث – 2002، والحياة المغدورة أو المسرح والسياسة – 2010، وكفرشوبا: قصة حب… سيرة مكان، في طبعتين: 2006 و2015، ورسائل حب إلى جانيت (رواية جيل) – 2008، والتراث والتاريخ: قراءات في الفكر التاريخي: عند جمال حمدان – جواد علي – أحمد صادق سعد – عادل ومنير إسماعيل – عبد القادر جغلول – كمال الصليبي – 2015، وحول تجربة الإخوان المسلمين: من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي – تقديم السيد يسين – 2015، و”محمد علي وعبد الناصر: ارتسامات النهوض العربي: الصعود والانكسار، 1805- 2013″ – 2018.