إرتبط إطلاق منصة صيرفة في العام 2020 بضبط سعر صرف الدولار في السوق بعد تأمينه للتجّار والمستوردين تحت رقابة مصرف لبنان. ووفق الآلية المرسومة لها، تحكَّمَ المصرف المركزي بالسوق صعوداً أو هبوطاً، مع الحفاظ على مصالح المُضاربين الذين مَثَّلوا ذراع المركزي التي يُنجِز بها مهامه في السوق.
لَعِبَت المنصّة دورها وفق قاعدة ثابتة، مفادها، جَمْعُ الدولار مِن السوق بعد رفع أسعاره بشكل قياسي، ثم إعلان الضخ عبر صيرفة وترجمة ذلك بارتفاع أرقام التبادل اليومي، فينخفض سعر السوق ويستقر لفترة قبل تكرار العملية. المستجِد هذه المرّة، هو تراجع حركة التبادل على المنصة، وانخفاض سعر الدولار في السوق، فمن أين يأتي التجّار بدولاراتهم، وكيف ينعكس ذلك على السوق؟.
التجّار يتجاهلون عرض الصرافين
انخفاض ضخ الدولار عبر المنصة من نحو 200 مليون دولار يومياً إلى نحو 50 دولار، كان من المفترض به أن يُحوِّلَ حركة طَلب التجّار من المنصة إلى السوق، فيرتفع الطلب هناك، مُحرِّكاً السعر صعوداً. لكن، بشكل غير منطقي، توجَّهَ التجّار نحو السوق فتحرَّك الدولار نزولاً تحت مستوى الـ90 ألف ليرة.
بتقليص عمل صيرفة، انتَظَرَ الصرّافون انتعاش سوقهم، لكن ذلك لم يحصل، وفق مصادر في نقابة الصرّافين التي أكّدت أن “التجّار لا يشترون الدولار من الصرّافين بل من السوق، عبر التداول بينهم وبين زبائنهم من الموزِّعين وصولاً إلى أصحاب المحال والسوبرماركت، لأن الجميع يملك الدولار ويتعامل به. فحتّى الزبائن، باتوا يفضّلون الدفع بالدولار”. ولذلك تقول المصادر لـ”المدن”، أن الشركات الكبرى “قلَّصَت تعاملها مع الصرّافين رغم عرض الدولار الذي يقدّمه الصرّافون. وهذا أمر مُلاحَظ منذ نحو أسبوع (أي مع بدء تراجع الضخّ عبر صيرفة)”.
هذه المعادلة غير السليمة تترافق مع مؤشّر آخر، هو توجُّه الصرّافين نحو”عدم حمل الليرة بسبب الخوف مما يمكن أن يحصل في الأيام المقبلة التي ستشهد تسليم مهام حاكم مصرف لبنان إلى نائبه الأوّل، ومن المحتمل حينها ارتفاع سعر الدولار وتراجع قيمة الليرة”.
.
دولار السوق لا يكفي التجار: المضاربون ينشطون ويترقبون
تجميع الدولار تمهيداً لارتفاع الأسعار
وفق أرقام منصة صيرفة، من الواضح أن التجّار لا يحصلون على دولاراتهم بشكل كامل عبرها. والقول أنهم يؤمِّنونها بالتبادل مع عملائهم والمستهليكن، غير كافٍ لسد فراغٍ بنحو 150 مليون دولار يومياً.
يعيد عضو غرفة تجارة بيروت وجبل لبنان جاك الحكيّم تصويب الأمور بتأكيده في حديث لـ”المدن”، على أن التجّار “يحصلون على الدولار من عدّة مصادر، ومنها الصرافين وحركة التبادل بين التجّار ومن المؤسسات السياحية التي تنشط في هذا الفترة بفضل دولارات المغتربين”. لكن عرض الدولار عبر هذه القنوات يترافق مع “تحويل فوري من الليرة إلى الدولار نظراً لعدم الثقة بما يمكن أن يحصل خلال الأيام المقبلة”.
وعليه، فإن ما يُحكى عن تأمين للدولار من السوق يقابله طلب سريع على الدولار للتخلّص من الليرة، ولأن الفجوة كبيرة بين العرض والطلب نتيجة خفض الضخ عبر صيرفة، فإن سعر الدولار يجب أن يرتفع.
فكُّ اللغز يستند إلى توافُق ما تقوله المصادر مع ما يقوله الحكيّم حول أن “ما يحصل في السوق هو لعبة سياسية وليس اقتصادية. ووسط غياب الضوابط، فالكل ينتظر ما سيحصل بعد تسلُّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، والسياسات التي سيتبعها لضبط سعر الدولار”. وبانتظار تلك الفترة، يتربّص المضاربون منذ الآن، ويتحيّنون الفرصة لاستغلال الوضع والفوضى الجزئية المتوقَّعة. وحينها يُصار إلى رفع سعر الدولار والاستفادة من الدولارات التي يتم جمعها الآن على وقع التخفيض المقصود للأسعار لدفع الناس إلى التخلّي عن العملة الخضراء خوفاً من الانخفاض الإضافي.
أما الركون إلى المنصة الجديدة المفترض إطلاقها كبديل من منصة صيرفة، فهي غير واضحة المعالم، وآلية عملها غير مضمونة. وهذا ما يشجّع الحكيّم على الاعتقاد بأن ما سيحصل هو “الاستمرار بعمل صيرفة مع وضع بعض الضوابط”.
السوق غير مستقر، ولا يؤمِّن حاجة التجّار للدولار، ومع ذلك لا ترتفع أسعاره، وهذا ما يحيل الأنظار إلى عملية تجميع للدولار تمهيداً لرفع أسعاره بعد تسلُّم منصوري وبدء مرحلة إدارته لمصرف لبنان خلفاً للحاكم رياض سلامة.