صولد وأكبر! باسيل بعد عون..
قالها الرئيس ميشال عون بالفم الملآن إنّ «العقوبات لن تمنع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من الترشح للرئاسة، من المؤكّد أنّه له الحق في الترشح على الرئاسة… نحن نمحوها بمجرّد انتخابه»، بعدما كان باسيل يلوّح بها محاذراً البوح بهذه المعادلة على نحو علني وواضح. قبل ساعات من مغادرته قصر بعبدا وانتقاله إلى نادي الرؤساء السابقين، ذكّر عون أنّ ورقة باسيل ليست محروقة بالتمام، أو أقله هكذا يحاول الايحاء، وأنّها لا تزال صالحة للاستخدام في أي وقت.
في الواقع، فإنّ مجاهرة رئيس الجمهورية بأحقية رئيس «التيار» بأن يكون أقوى المرشحين، ربطاً برئاسته أكبر تكتل مسيحي، لا تعني أبداً أنّ رغبته مطابقة للوقائع، لأنّ تحقيق ذلك، دونه الكثير من العقبات والعراقيل والمصاعب. لكنّ عون كما باسيل، يرغبان في استثمار هذه الورقة وتعزيزها قدر الامكان والاستفادة منها، اذا لم تسعفه الظروف، وإلا فالإتكال على «الوقت» لقلب الطاولة.
فعلياً، هي لعبة «الصولد». كلّ رصيد ميشال عون وجبران باسيل سيوضع على الطاولة دفعة واحدة. إمّا تحقيق النصر الكامل، أو لا شيء. وفي اعتقادهما أنّ احتمال لا شيء غير وارد، لأنّه اذا لم تنجح خطة ترئيس باسيل، فهو سيتمكن من فرض نفسه صانع الرئيس المقبل، بمعاييره هو لا معايير الآخرين.
نظرياً، أنهى «تكتل لبنان القوي» المرحلة الأولى من مبادرته الرئاسية بعدما قام بجولة موسّعة على أبرز الكتل النيابية – باستثناء كتلة «الجمهورية القوية»- عارضاً الوثيقة التي أعدّها بمثابة خريطة طريق للرئيس العتيد.
طبعاً، لم تأت تلك الجولة بأيّ جديد، سوى أنّها قدّمت «التكتل» على أنّه أدى قسطه للعلى من خلال فتح أبواب الحوارات الثنائية، حتى مع الخصوم، وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حرص باسيل على أن يترأس الوفد الذي زاره، بحجة أنّه رئيس مجلس النواب، وكان لا بدّ من باب اللياقة والبروتوكول الرسمي أن يكون باسيل في مقدمة الوفد.
كذلك، كان الجلوس قبالة رئيس «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط، محاولة ولو خجولة جداً لطرق أبواب موصدة مع المختارة بفعل التوتر في العلاقة على خطّ المختارة – ميرنا الشالوحي. أمّا غير ذلك، فلا يتعدى الشكليات في العلاقة وصور لزوم ما لا يلزم.
فعلياً، لا حاجة كثيراً للتدقيق في ثنايا تلك الوثيقة أو البنود التي تضمنّتها، والأرجح أنّ كلّ من تلقاها لم يكلّف نفسه عناء مراجعة مضامينها بحثاً عن قطبة مخفية أو بندٍ سريّ أو حتى عن مغزى وخلاصة. فهي تشبه بكثير من «وصاياها» سرديات مرشحي الانتخابات النيابية في الوعود التي يزايدون على بعضهم البعض فيها، تحت عنوان بناء دولة المؤسسات العصرية، ومكافحة الفساد، وإعادة النهوض بالبلد… وما إلى ذلك من شعارات كبيرة، سرعان ما يلقون بها بأنفسهم في سلّة المهملات.
«التيار الوطني الحرّ» هو بحدّ ذاته صار له في الحكم ستّ سنوات، وكان بإمكانه أن يلزم نفسه بتلك العناوين الكبيرة قبل أن يطلب من الغير التقيّد بها. ولهذا يمكن اختصار تلك الوثيقة بشرط واحد: التمثيل الشعبي. وذلك انطلاقاً من رغبة باسيل بحصر الترشيحات الجدية به، وبأسوأ الحالات، رفع سقف معبره الإلزامي لتلبية كلّ شروطه.
وقبل كلام الرئيس عون في ما خصّ ترشيح باسيل كان «تكتل لبنان القوي» في صدد بلورة حراك داخلي، يهدف إلى تحريك المياه الراكدة. أكثر من نائب عوني، لا سيما من «القدامى»، تولى الإشارة عبر الإعلام إلى وجود أكثر من مرشح مؤهل في صفوف «التكتل»، وإلى أنّ حدود الرئاسة الأولى لا تقفل على نفسها عند ترشيح جبران باسيل. وكان يفترض أن يشهد الأسبوع المقبل حراكاً أكثر جدية في هذا الصدد.
يقول أحد النواب إنّ مكونات «التكتل» ستعترض على تجميد المبادرة عند عتبة عرضها على الكتل النيابية الأخرى، والاكتفاء بالتصويت بالورقة البيضاء، بانتظار تطور ما لا يزال في المجهول. وفق بعضهم، لا سيما المتحمسين لاختراق الحواجز التي تغلق الدائرة على باسيل بسبب معوقات تتصل به حصرياً، وأبرزها العقوبات الأميركية ورفض القوى السياسية المحلية والاقليمية لترشيحه، ربطاً بالخلافات الشخصية التي تحول بينه وبين تكوين أغلبية داعمة له… وفق هؤلاء، فإنّ الوقت قد حان للبحث بخيارات بديلة، ولا حاجة للتفتيش عن «الكنيسة البعيدة».
يقولون إنّه آن الآوان لكي توضع كل السيناريوات على الطاولة، ومفاتحة باسيل بكل الاحتمالات. واذا كانت لديه النية بالترشح لا بدّ من عرض خطّته لتحقيق هذا الهدف. واذا كان تحقيقه مستحيلاً أو صعباً، فلا بدّ من التفكير بطريقة مختلفة، «خارج العلبة».
اذاً، يبدو أنّ هؤلاء بصدد زرك باسيل بالزاوية: إمّا تُعلن ترشيحك وتقنع من حولك بواقعية المعركة وكيفية خوضها، وإمّا اترُك الحلبة لغيرك.
والأرجح أنّ الرئيس عون، بإعلانه الأخير يسعى لقطع الطريق أمام هؤلاء وأمام طموحاتهم وهو المتأكد أنّه لو قدّر لهم لانقضوا منذ زمن على باسيل، ولكنه يعرف أنّهم لا يملكون الجرأة على القيام بأي خطوة اعتراضية جدية، وقد يكتفون بالإشارات عن بُعد… ولهذا يلاعبهم كما يلاعب الجميع على طريقته القديمة – الجديدة: صولد!