أبلغ قائد الغواصة الإسرائيلية “دكار” الرائد يعقوب رعنان فجر 25 كانون الثاني عام 1968 قيادته أنه سيصل قبل الموعد المحدد، وكان ينتظر أن يعاود الاتصال في غضون 6 ساعات إلا أن ذلك لم يحدث.
مقر البحرية الإسرائيلية حاول مرارا ربط الاتصال بالغواصة الإسرائيلية القادمة من بريطانيا في رحلتها الأولى، إلا أن الغواصة لم تعد تجيب، ولم تصدر عنها إشارات استغاثة، وفي نفس اليوم أعلنت البحرية الإسرائيلية أنها فقدت الغواصة “داكار” بطاقمها المكون من 69 بحارا.
الغواصة المفقودة كانت انطلقت قد في 9 كانون الثاني عام 1968 بعد توديعها في احتفال رسمي من قاعدة “بورتسموث” البحرية البريطانية متوجهة إلى قاعدتها في ميناء حيفا، وكانت هذه الغواصة ضمن ثلاث غواصات تعمل بالديزل اشتريت من بريطانيا بهدف تجديد أسطول الغواصات الإسرائيلية.
“داكار” ليست بالغواصة الجديدة، وكانت أنزلت إلى الماء في 28 أيلول عام 1943، وخدمت في سلاح البحرية البريطانية حتى عام 1964 وتحمل الاسم “إتش إم إس الطوطم”، لكنها في ذلك الوقت لم تشارك في الحرب العالمية الثانية.
قاد الغواصة “داكار” يعقوب رعنان، ويوصف بأنه ضابط متمرس في سلاح الغواصات وأنه شارك مع طاقمه في عدة مناسبات في مهمات قتالية وتدريبية في أعماق البحر، وكان ينتظر أن يصل بها إلى ميناء حيفا في 4 شباط 1968.
رست الغواصة الإسرائيلية في جبل طارق في 14 كانون الثاني للتموين والاستراحة ثم واصلت طريقها في رحلتها الأولى تحت العلم الإسرائيلي، وواجهت ليلة 24 – 25 كانون الثاني طقساً ماطراً مصحوباً برياح شمالية قوية وأموج قوية.
بعد أن تجاوزت جزيرة كريت، اتصل قبطان الغواصة “داكار” يعقوب رعنان صباح يوم 24 كانون الثاني بقاعدته في حيفا، وأبلغها بإحداثيات موقعه بدقه، وفي فجر اليوم التالي اتصل معلنا أن غواصته ستصل قبل الموعد المحدد، ثم فقد أثر الغواصة تماما.
منذ صبيحة 26 كانون الثاني انطلقت عمليات البحث الإسرائيلية عن الغواصة المفقودة في منطقة شاسعة من وسط وشرق البحر المتوسط، وشاركت فيها 38 سفينة تابعة للبحرية الإسرائيلية والولايات المتحدة وبريطانيا. عمليات البحث استغرقت أكثر من ألفي ساعة، كما نفذت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي 105 طلعة جوية، إلا أن كل ذلك لم يسفر عن شيء.
اقتربت آمال العثور على الغواصة من الصفر يوم 30 كانون الثاني، واكتملت عمليات البحث الدولية مساء يوم 31 كانون الثاني، وعادت جميع سفن وطائرات الدول المشاركة في العملية إلى قواعدها.
خلال اجتماع حكومي بهذا الشأن يوم 28 كانون الثاني 1968، صرّح قائد البحرية الإسرائيلية، الأدميرال شلومو أريل بأن الأمل ضئيل في العثور على الغواصة سليمة، كاشفا عن تبادل لاسلكي غامض مع الغواصة بعد اختفائها.
قال الأدميرال: “يوم الخميس (25 كانون الثاني) الساعة 12:25 تم ربط اتصال توقف في المنتصف. اتصلت بنا داكار، وسألت كيف تستمعون إلينا. أجبنا نسمعكم بشكل جيد، وبعد ذلك انقطع الاتصال. قررنا أنها كانت مشكلة فنية بسيطة. في ذلك الوقت، كان البحث قد بدأ بالفعل، وكان ذلك مشجعا لنا”.
الغواصة المفقودة حاولت مرة أخرى الاتصال بقاعدتها في 26 كانون الثاني، الساعة 17:55، وبعثت الرسالة الأولى بشفرة مورس بنص عادي، ولكن عندما اضطر مشغل اتصالات الراديو إلى التبديل إلى رمز سري، تم قطع الاتصال.
أثار هذا الأمر المزيد من الشكوك في أن جهة ما تحاول اللعب مع قيادة البحرية الإسرائيلية، لإرباك عمليات البحث وتشتيت الجهود الجارية للعثور على الغواصة المفقودة.
قائد البحرية الإسرائيلية علق على ذلك بعدم استبعاده أن تكون الغواصة قد أغرقت من قبل العدو، مشيرا إلى أن هذا الاتصال اللاسلكي الذي جرى ربما كان بهدف التضليل.
الأرشيف الإسرائيلي رفع السرية في عام 2013 عن 16 وثيقة مرتبطة بغرق الغواصة “داكار”، ومنها يظهر أن خبراء سلاح البحرية الإسرائيلية نظروا في ثلاثة أسباب محتملة لغرق الغواصة، وهي خطأ من الطاقم أو عطل فني، أو تدخل أسطول معاد (قد يكون مصريا أو سوفيتيا) أو نتيجة تصادم مع مركبة بحرية أخرى.
المثير أنه فيما كان البحث عن الغواصة المفقودة على أشده، أبلغت السفارة الإسرائيلية في هولندا تل أبيب أن شرطة لاهاي سألت عرافا محليا اشتهر باكتشاف السفن الغارقة وكان جرب عدة مرات في هذا المجال، عن مصير “داكار”، وأجاب العراف من دون أن يعرف التفاصيل أنها في قاع البحر في المنطقة الواقعة غرب جزيرة قبرص، وأنها ربما أغرقت بواسطة طوربيد.
الغواصة الإسرائيلية المفقودة لم يعثر على حطامها إلا في مايو عام 1999، ونجحت في هذه المهمة التي كلفت الإسرائيليين مليون ونصف المليون دولار، شركة “نيوتيكوس” الأمريكية الخاصة التي كانت انتشلت مقتنيات من سفينة ” تيتانيك” الغارقة.
عثر خبراء هذه الشركة ما تبين أنها بقايا الغواصة “داكار” في منطقة بين جزيرتي كريت وقبرص على عمق ثلاثة آلاف متر، وتم رفع قطعة من هيكل الغواصة العلوي وضعت في متحف البحرية الإسرائيلية.
احتمال تدمير الغواصة التي كانت في السابق تسمى “الطوطم” من قبل دولة معادية، قيل عن البيانات التي تم الحصول عليها بواسطة المسوحات التي أجريت في أعماق البحر نفتها تماما، وتبين أن هيكل “داكار” الخارجي لم يتضرر بفعل إصابة قذيفة أو انفجار لغم، بل نتيجة للاصطدام بقاع البحر.
احتمال إغراق المصريين أو السوفييت للغواصة “داكار” استند إلى رواية افترضت أن قبطان الغواصة الإسرائيلية ربما أراد استغلال ما توفر من وقت زائد للاقتراب من الساحل المصري والتقاط صور للمنشآت العسكرية بميناء الإسكندرية.
مع كل هذه المعلومات والمستجدات، لا يزال غرق الغواصة الإسرائيلية “داكار” غامضا حتى الآن، ولا يزال الجدل بهذا الشأن دائرا بين الخبراء والمؤرخين العسكريين، فمن صدق يا ترى، العراف الهولندي أم المسؤولون الإسرائيليون؟