كارثة صامتة: لبنان يغرق في سموم المبيدات المسرطنة!
تشكل المبيدات الحشرية، رغم فوائدها في مكافحة الآفات الزراعية والحشرية، تهديدًا جسيمًا للبيئة والصحة العامة. هذه المواد الكيميائية السامة، المصممة للقضاء على الكائنات الحية الدقيقة، تتسرب بسهولة إلى التربة والمياه الجوفية والهواء، ملوثة بذلك الموارد الطبيعية وتشكل خطرًا مباشرًا على صحة الإنسان والحيوان.يشهد العالم، و لبنان على وجه الخصوص، حوادث مأسوية ناجمة عن سوء استخدام المبيدات الحشرية. ففي لبنان، سُجٍّلت حالة وفاة نتيجة التسمم بالمبيدات، مما يسلط الضوء على خطورة هذه المواد وتأثيرها المدمر في الصحة العامة.
آثار بيئية وصحية كارثية!
وفي حديث خاص لـ “الديار”، حذر الخبير البيئي البروفيسور ضومط كامل من الآثار والتداعيات الخطرة للمبيدات الحشرية على الصحة البشرية والبيئة الزراعية والمائية في لبنان. كشف البروفيسور ضومط أن لبنان يواجه تهديداً وجودياً بسبب استخدام أنواع من المبيدات الحشرية مصنفة عالمياً على أنها من أخطر المواد المسرطنة والسامة.
تتعدد الآثار السلبية للمبيدات الحشرية على البيئة والإنسان، فهي تسبب تلوثًا مستدامًا للتربة والمياه، مما يؤثر سلبًا في الحياة النباتية والحيوانية. كما تتراكم هذه المواد في سلسلة الغذاء، مما يعرض صحة الإنسان لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض الجهاز العصبي. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المبيدات في تدمير التنوع البيولوجي، حيث تؤدي إلى قتل الحشرات النافعة مثل النحل والفراشات، مما يؤثر سلبًا في عملية التلقيح.تشكل المبيدات الحشرية خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، سواء من خلال التعرض المباشر أو من خلال استهلاك الأغذية الملوثة. فالعاملون في القطاع الزراعي هم الأكثر عرضة للتسمم بالمبيدات، حيث يتعرضون لها بشكل مباشر أثناء عمليات الرش والحصاد. كما أن استنشاق أبخرة المبيدات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطرة، مثل تهيج الجهاز التنفسي وأمراض الرئة.أما بالنسبة للأعراض، فتؤدي المبيدات الفوسفورية والكرباماتية إلى مجموعة من الأعراض المزعجة والتي قد تشمل: تدميع العينين، تشوش الرؤية، سيلان اللعاب، التعرق الشديد، السعال، القيء، الإسهال، انخفاض ضغط الدم، اضطرابات في ضربات القلب، التشنجات، ضيق التنفس، و ضعف العضلات. في الحالات الشديدة، قد تكون هذه الأعراض مهددة للحياة.”لا يقتصر خطر المبيدات الحشرية على العاملين في الزراعة فقط، بل يشمل أيضًا المستهلكين. فبقايا المبيدات التي توجد في الأغذية يمكن أن تتراكم في الجسم على المدى الطويل، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض الجهاز العصبي والعصبي. كما أثبتت الدراسات وجود علاقة بين التعرض للمبيدات الحشرية وزيادة خطر الإصابة بمشاكل الخصوبة لدى الرجال والنساء.المبيدات الحشرية: سمٌّ يلوث عرقوب الحياةتعتبر المياه أساس الحياة على كوكب الأرض، وهي ضرورية لجميع الكائنات الحية. ومع ذلك، فإن هذه المادة الحيوية تتعرض لتهديدات متزايدة بسبب التلوث، وأبرز هذه التهديدات هو تلوث المياه بالمبيدات الحشرية. فعندما يتم رش المبيدات الحشرية على المحاصيل الزراعية، فإن جزءًا كبيرًا منها لا يلتصق بالنباتات المستهدفة، بل يتسرب إلى التربة، ومن ثم إلى المياه الجوفية والسطحية. تساهم الأمطار والري في تسريع عملية انتقال هذه المواد الكيميائية السامة إلى مصادر المياه، مما يؤدي إلى تلوثها بشكل كبير.
هذا وتترك المبيدات الحشرية آثارًا مدمرة على جودة المياه وسلامتها، وتؤثر بشكل مباشر في الكائنات الحية التي تعيش فيها. من أبرز هذه الآثار:- تدمير الحياة المائية: تؤدي المبيدات الحشرية إلى قتل الكائنات الحية الدقيقة والنباتات المائية والأسماك والحشرات المائية، مما يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي في المسطحات المائية.- تراكم السموم في السلسلة الغذائية: تتراكم المبيدات الحشرية في أجسام الكائنات الحية المائية، وتنتقل عبر السلسلة الغذائية لتصل إلى الإنسان الذي يتغذى على الأسماك والمأكولات البحرية.- تلوث المياه الجوفية: تشكل المياه الجوفية مصدرًا رئيسيًا للمياه الصالحة للشرب، وتلوثها بالمبيدات يهدد صحة الإنسان والحيوان على المدى الطويل.- تأثير في صحة الإنسان: يؤدي شرب المياه الملوثة بالمبيدات إلى العديد من المشاكل الصحية، مثل الأمراض السرطانية وأمراض الكبد والكلى ومشاكل الجهاز العصبي.كيف علينا مواجهة هذا التهديد؟أخيراً، شدد الخبير البيئي على ضرورة وضع استراتيجيات بيئية شاملة وخطط عمل عاجلة لمواجهة أزمة تداعيات المبيدات الحشرية السامة. وأشار إلى أن غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الدولة، وتقاعس الجهات المعنية عن القيام بدورها الرقابي، قد ساهم بشكل كبير في تفاقم هذه الأزمة. واقترح الخبير جملة من الإجراءات العاجلة، من بينها: حظر استيراد وتداول المبيدات المحظورة عالمياً، تشجيع الزراعة العضوية، تدريب المزارعين على استخدام بدائل آمنة، تفعيل الرقابة على الأسواق، توعية المجتمع، إنشاء مختبرات متخصصة، وبالطبع تطوير تشريعات بيئية صارمة.فهل من مسؤول يقف ليضع حداً لهذه المأساة؟ أم سنبقى نردد هذه الكلمات ونحن نشاهد بلدنا يتسمم ببطء؟