مشهديّة ثلاثيّة تعيد لبنان إلى الحاضنة العربيّة والدوليّة: قرار دولي بمنع الإنهيار؟
جملةُ تطورات ومسارات شهدتها بيروت في الأيام القليلة الماضية تصبّ جميعها في إطار تأكيد أنّ قرارًا اتُخذ في عواصم القرار لمنع انزلاق لبنان نحو الإنهيار الشامل. الجهود الحكوميّة التي قادها الرئيس نجيب ميقاتي طيلة الأشهر الماضية حيال الدول الخليجيّة، وتأكيده الإلتزام بعدم استخدام لبنان منصّة لاستهداف الدول الخليجية، بالتوازي مع مساعي فرنسية، تلقفتها دولُ مجلس التعاون الخليجي ، وترجمتها بعودة سفرائها إلى بيروت بعد خمسة أشهر من القطيعة الدبلوماسيّة. في الوقت نفسه أتى إعلان صندوق النقد الدولي من بيروت عن التوصل إلى إتفاق مبدئي مع الحكومة، هذا التزامن ليس من قبيل المصادفة، وفق مصادر متابعة، لاسيّما وأنّ البرنامج التمويلي المُنتظر يعتمد على موافقة الدول المانحة وفي مقدّمتها الدول الخليجية. بموازاة الحاضنة الدولية، برزت الرعايةُ البابويّة للبنان من خلال الزيارة التي يعتزم قداسة البابا فرنسيس القيام بها في حزيران المقبل، للتأكيد على المظلّة البابويّة الحامية لهذا البلد التعدّدي.
“هناك قرار دولي كبير بعودة سفراء الدول الخليجيّة إلى بيروت، وهو يدخل في ظلّ الحسابات الدوليّة والإقليميّة التي ترعى المسار اللبناني، بمعزل عن الطبقة السياسيّة الحاليّة، وهذه العودة واكبها تنسيقٌ محكم مع كلّ من فرنسا، الإتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، في إطار مسارٍ دولي معنيّ بالوضع في لبنان، تفاديًا للإرتطام الكبير، من ثمّ لتمرير الإستحقاق الإنتخابي” وفق قراءة المحلل السياسي جورج علم في حديث لـ “لبنان 24” معتبرًا أنّنا بموقع المتلقّي وليس في موقع المبادر كلبنانيين.
هناك مسارٌ أبعد من الإنتخابات التشريعيّة، تُرجم برفع منسوب الإهتمام الخارجي بلبنان في اتجاهات متعدّدة دبلوماسيّة واقتصاديّة ماليّة، خصوصًا أنّ المملكة العربيّة السعوديّة حرصت على أن تترافق عودةُ سفيرها وليد البخاري مع مبادرة فعليّة، تمثّلت في الإعلان عن صندوق سعودي- فرنسي مشترك “سيخصَّص للدّعم الإنساني وتحقيق الإستقرار والتّنمية في لبنان”.
أداء سفيري السعودية والكويت منذ عودتهما محل ثناء وتقدير وفق علم “لا بدّ من التنويه بالدور الذي يلعبه كلّ من السفيرين وليد بخاري وعبد العال القناعي، وبالحيثيّة الوطنيّة، بالنتيجة هما يمثّلان سياسة بلديهما، وباعتقادي سوف ينال السفير البخاري الثناء من قبل مرؤوسيه وحكومته، لكن مع الأسف نرى أنّ في لبنان من نسميّهم بمتسوّلي السفارات، سواء أكانت هذه السفارة لهذا المحور أو ذاك، ينتظرون وتحت شعار تحسين العلاقات الحصول على مساعدات ماليّة ومعنويّة على أبوب الإنتخابات لتعزيز نفوذهم السياسي في الداخل، وأنا لا أنتقد جهة سياسيّة واحدة، فهناك بالمقابل المصالحة التي شهدناها في مربع الأمين العام لحزب الله لركنين أساسيين من الطائفة المارونية”.
أمّا الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي فلا تكمن أهمّيته بالمبلغ الذي سيحصل عليه لبنان، والذي لن يتجاوز 3 مليار دولار على مدى أربع سنوات، وهو بالطبع ليس كافيًا لانتشال البلاد من حال الإنهيار الذي بلغته على المستويات الماليّة والمصرفيّة والخدماتيّة، بل كونه سيشكّل تأشيرة لدعم الجهات المانحة، وتحريك مؤتمر سيدر في حال إلتزمت الحكومة التي ستتشكّل بعد الإنتخابات بالمسار الإصلاحي الذي بات معروفًا. في الإطار يعتبر علم أنّ التفاهم الذي حصل مع الصندوق إنّما هو مدخل، مستبعدًا الإلتزام بشروط الصندوق في الفترة الفاصلة عن موعد الإنتخابات “ومن هذه الشروط إقرار الموازنة، علمًا أنّ مجلس النواب الحالي لن يجرؤ على إقرارها على أبواب الإنتخابات وهي موازنة تقشّفية . وهناك إصلاحات أخرى مطلوبة على مستويات الإدارة والخدمات والقضاء”.
في المدى الإقليمي برز تطورٌ لافت عبر التوصل إلى هدنة في اليمن، ترافقت مع حوار داخلي يمنيّ في السعودية برعاية خليجيّة، فيما المفاوضات في فيينا تحقّق تقدّمًا. قد توحي هذه المستجدّات أنّ المنطقة على أبواب تسوية أو على الأقل عدم تسعير النزاعات فيما بينها، المهم أن يتلقّف الداخلُ اللبناني، اللحظات المؤاتية إقليميّا ودوليّا لإنقاذ اللبنانيين من قعر جهنّم، بصرف النظر عن الفريق الرابح في الإنتخابات.
لكن بنظر علم ، السلطة السياسية في البلد التي أوصلت الشعب إلى ما هو عليه من بؤس وفقر، لن تسير في الإصلاحات المطلوبة، وقد رفضت التلاقي فيما بينها لإيجاد الحلول المناسبة سواء في الداخل أو عبر صندوق النقد أو من خلال المؤتمرات المالية التي سبق لفرنسا أن عقدتها من “باريس 1” وصولًا إلى “سيدر”، “وطالما السلطة عاجزة عن إيجاد الحلول أضحت الأمور رهن المشيئة الدوليّة، لذلك أرى أنّ هناك محوريّة جديدة، قوامها الولايات المتحدة الأميركية والفاتيكان وفرنسا والإتحاد الأوروبي وبعض دول مجلس التعاون الخليجي لإيجاد حلول، وباعتقادي لا بدّ من مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة للوصول إلى تفاهمات، أما لتشذيب اتفاق الطائف من العقبات التي ظهرت من خلال الممارسة، أو لإقرار عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين، يصوّب النظام السياسي ويحفظ وحدة التراب من الشوائب”.