القضاء الأوروبي مستمر في مُطاردة حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة. يُلاحقه بعدد لا يُستهان به من قضايا الفساد وتبييض الأموال. فهذه “اللعنة” طالت أفراد عائلة آل سلامة، وباتوا تحت المجهر الأوروبي، لمساءلتهم عن مصدر أموالهم وعقاراتهم وشركاتهم، وعن أسرار الرفاهية التي تمتعوا بها لعقود طويلة، حتى بعد تبخّر الودائع داخل المصارف، وانهيار الدولة اللبنانية اقتصاديًا. أملاك وعقارات عائلة سلامة في لبنان وأوروبا التي لم تتمكن المراجع القضائية اللبنانية في حديثها مع “المدن” أن تُحدد قيمتها أو أن تُحصي عددها، اكتفت بالقول “أموال وعقارات كثيرة، تُقدّر بملايين الدولارات!”
“عصابة الأشرار”
إنضم إميل رجا سلامة، إبن شقيق الحاكم، إلى “عصابة الأشرار” (حسب نص التهم)، بعد أن كشف القضاء الفرنسي عن اسمه وهويته، متهمًا إياه بالتآمر الجنائي وغسل الأموال على يد مجموعات منظمّة، والتستر على جرائم، ذلك بعد أن طُلب منه المثول أمام المحكمة الفرنسية واستجوب أمام قاضي التحقيق المالي الفرنسي.
وعصابة الأشرار، باتت تضم أفراد عائلة سلامة. ربما، يصحّ تسميتها بـ”عصابة عائليّة”، فغالبية أفراد هذه العائلة متهمون بجرائم مالية. وإميل هو ابن أبيه، رجا سلامة، الذي تخلّف مرارًا عن جلسات التحقيق أمام القضاء اللبناني نتيجة الالتهابات الحادة في الأمعاء وزياراته اللامتناهية للمشفى والتي تتزامن مع مواعيد جلسات استجوابه.
وفي حديث خاص لـ”المدن” مع الخبير في الشؤون الفرنسية، تمام نور الدين أفاد أن قاضي التحقيق الفرنسي حقق مع إميل ولكن لم يتم توقيفه، وقدم معلوماته للقضاء الفرنسي، لذلك سيكون مصيره مشابهًا لمصير مدير بنك الموارد مروان خير الدين الذي تعهد بالمثول أمام القضاء الفرنسي في كل مرة يُطلب منه هذا الأمر.
إخبار قضائيّ
وعلمت “المدن” أن عددًا من المحامين من مجموعة “رواد العدالة” تقدموا بإخبارٍ قضائي إلى النيابة العامة المالية بواسطة النيابة العامة التمييزية، للمطالبة باستدعاء إميل سلامة إلى التحقيق، وتوقيفه، وتحريك الحق العام ضدّه بجرائم غسيل أموال غير مشروعة مصدرها المصرف المركزي، والتدخل باختلاس المال العام وتأليف جمعية أشرار كما طالبوا بضبط “الداتا” الموجودة في شركاته في لبنان.
الإهمال الوظيفي
ولأن الجرائم المُتهم بها سلامة متنوعة وتزداد بشكل مستمر، فهو متهم أيضًا بالإهمال الوظيفي. وحسب مصادر قضائية لـ”المدن”، فقد ادعى النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم على رياض سلامة، وسيدة من عائلة دبّاغ بالاهمال الوظيفي، وذلك في الدعوى التي قدمت ضد سلامة بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة ومخالفة قرار إداري. وفي هذه الدعوى، كانت النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون قد ادعت على سلامة، وأحالت الملف إلى قاضي التحقيق في جبل لبنان، نقولا منصور.
لكن، وعلى الرغم من استمرار القضاء اللبناني بملاحقته، (حتى وإن كانت بعض الإجراءات القضائية اتخذت “شكليّا” فقط)، إلا أن سلامة ينجح في التهرب من مُلاحقته، ويُطوّق القضاة لمنعهم من متابعة ملفاته. وحسب معلومات “المدن”، تقدم سلامة بدعوى مخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز (المُعطلة) ضد الهيئة الاتهامية التي شُكلت مؤخرًا للنظر في الاستئناف المقدم من رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، حين قرر قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا ترك سلامة رهن التحقيق، بعد استجوابه في ملفه، وتألفت الهيئة الاتهامية الجديدة من القاضي حبيب مزهر ومستشارين. وبذلك عرقل سلامة عمل هذه الهيئة الاتهامية قبل أن تبدأ بعملها!
“حُجج واهية”؟
وأمام التحقيقات الأوروبية في قضية سلامة، كان القضاء الفرنسي قد جمّد أموال وعقارات وشركات تابعة لسلامة في أوروبا. وحسب مصادر قضائية بارزة لـ”المدن”، فقد تقدم وكلاء سلامة بطعن أمام محكمة التمييز في فرنسا. ولتتمكن الدولة اللبنانية من استرداد مالها العام من أموال سلامة، كان عليها مهمة إيجاد محام ليدافع عن الدولة اللبنانية بالطعن المقدم من سلامة. وبعد اختيار المحامية الفرنسية “كاترين فيولاز” التي وافقت على الدفاع عن الدولة اللبنانية من دون أي أتعاب، عُرض اسمها وملفها خلال جلسة مجلس الوزراء، إلا أن الاسم لاقى اعتراضًا من بعض الوزراء خلال الجلسة على اعتبار أنها “يهودية”، علمًا أن مصادر قضائية رفيعة أكدت لـ”المدن” أن المحامية هي فرنسية ولا صحة لكونها يهودية أبدًا. والحال، فإن هذه الحجة استعملت في المرة الأولى حين عُرضت أسماء لمحامين وافقوا على تمثيل الدولة اللبنانية في فرنسا مجانًا.
والوزيران هما وزير الزراعة، عباس الحاج حسن، ووزير الثقافة، محمد مرتضى، المحسوبان على الثنائي الشيعي، الذي لطالما حاول الأخير حماية سلامة من المُلاحقة القضائية، مثلًا حين أصرّ وزير المالية يوسف الخليل على إخفاء تقرير التدقيق الجنائي في الفترة الماضية.
وأيضًا، لعبت مجموعة من القضاة دورًا بارزًا في ملفات سلامة، كالقاضي شربل أبو سمرا الذي تعرض لانتقادات واسعة من القضاء الفرنسي بسبب تهاونه مع سلامة خلال جلسات التحقيق، ورفضه إصدار أي مذكرة توقيف بحقه، بل تركه رهن التحقيق، والقاضي ماهر شعيتو الذي أتيحت أمامه فرصة إصدار مذكرة توقيف بحق سلامة ولم يفعل، والقاضيات رولا الحسيني، نجاح عيتاني وكالين عبدالله اللواتي ابتعدن عن ملف سلامة لأسباب متعددة وقررن التنحي عن الملف، وكذلك الأجهزة الأمنية التي “تعذّر” عليها إيجاد سلامة لتبليغه بموعد جلسته أمام الهيئة الاتهامية في شهر آب العام 2023، بالرغم من أن المباحث الجنائية المركزية برئاسة العميد نقولا سعد تمكنت من تبليغه مرتين متتاليتين!
هكذا هي أحوال سلامة داخل القضاء اللبناني والأوروبي. والأجدى اليوم أن تُدافع الحكومة اللبنانية عن حق الدولة لاسترداد أموالها من أرصدة سلامة، عُوضًا عن حماية “رأسه” من المُطاردة القضائية!