اخبار لبنان والشمال

نوّاف سلام.. أكلنا الضّرب؟

كتب زياد عيتاني في اساس ميديا :

سألت صديقاً قديماً لرئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام، وهو رجل خبير بالسياسة وأهلها داخل الحدود وخارجها، عن رأيه في مآلات تشكيل الحكومة والمشاكل التي تعترض ولادتها، فقال: “أتمنّى للرئيس نوّاف النجاح، مع أنّني أعرف أنّ النجاح صعب جدّاً جدّاً ليس بسبب الثنائي الشيعي فقط، بل بسبب التغييريّين. هو يصغي لكلّ الأهواء. لا يحبّ العوام من الناس. يحبّ الوجهاء، المثقّفين، وتحديداً إن كانوا به معجبين. هناك جزء من الفشل يُنسب لنبيه برّي، وجزء يُنسب للتغييريّين، وجزء للقوى المسيحية، لكن أيضاً الجزء المضاف للفشل هي صفات الرئيس المكلّف نفسه. سمعته جيّدة، ويستطيع أن يكون قويّاً. ليس صاحب رأي يناضل من أجله كما أعرفه. ينزعج إذا اشتكى منه أحد. يحبّ أن يرضى عنه جميع الناس. مشكلته في شخصيّته الطيّبة والمتقلّبة. ليس مسيّساً، إنّما أتمنّى له النجاح، فالفشل سيكون دماراً كبيراً له. إذا شكّل حكومة ولو كانت فاشلة، فهذا خيرٌ له من أن يعتذر، ولا أظنّه سيعتذر. يبقى الاعتماد على رئيس الجمهورية جوزف عون لأنّ الرجل لم يخطئ حتى الآن”.

لسان حال الكثيرين من اللبنانيين، ومعهم معظم القوى السياسية من “القوات اللبنانية”، مروراً بـ”التيار الوطني الحر”، وليس انتهاء بالكتل السُنّية البرلمانية، يقول عن أداء رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام: “أكلنا الضرب”.

كلمة حقّ تقال في نوّاف سلام، وهي أنّه لم يكذب علينا، ولا على أيّ طرف سياسي محايد، بل ما يمكن تأكيده أنّنا نحن، ومعنا معظم القوى السياسية، كذبنا على أنفسنا، أو نحن في أفضل الأحوال صدّقنا ما لا نقتنع به.

لماذا اخترناه؟

جاء اختيار نوّاف سلام رئيساً للحكومة متعدّد ومتشعّب الأهواء. حزب “القوات اللبنانية” اختاره على قاعدة “مجبر أخاك لا بطل”، كي لا ينجح محور الممانعة في إعادة نجيب ميقاتي إلى السراي، كما جاء على لسان الدكتور سمير جعجع.

النائب جبران باسيل دفع كتلته لتسمية نوّاف سلام لأنّه لا يريد خوض معركة سياسية خاسرة، كما نقل عنه النائب فؤاد مخزومي، مرشّح المعارضة قبل ارتفاع موجة سلام. فيما “كتلة الاعتدال”، ومعها النائب فيصل كرامي وكتلته، اختاروا سلام في لحظة ضياع سياسي مع توقّف البوصلة الدالّة على “اسم المرشّح المطلوب لرئاسة الحكومة”، بخاصّة أنّ الكتلتين كانتا قد قرّرتا نهار الأحد، قبل ساعات من موعد المشاورات، تسمية الرئيس نجيب ميقاتي.

لم يكذب نوّاف سلام، أقلّه في ما وصلنا إليه مباشرة أو بالتواتر، على أحد. كان الرجل واضحاً وصريحاً في ما يؤمن به، وسيسير عليه. لم يعِدنا نوّاف سلام خلال حراك 2019، وبات عنواناً لمجموعة لا عنوان لها، ولمتظاهرين يبحثون عن عبارات للافتاتهم، وقائداً لما أطلقوا عليه اسم الثورة.

عندما قال ماذا سيفعل كان نوّاف سلام واضحاً وصريحاً معنا في ثلاث محطّات بارزة قال فيها تفاصيل رؤيته للنظام والاقتصاد والعلاقات الخارجية، من الولايات المتحدة الأميركية وصولاً إلى طهران.

– المحطّة الأولى: مقالة لنوّاف سلام تحت عنوان “نحن وأميركا والأوهام الخمسة”. نُشرت قبل عدّة سنوات، وفنّد فيها نوّاف سلام وجوب عدم المراهنة على الولايات المتحدة التي تتحرّك وفقاً لمصالحها لا عواطفها، ووفق انحيازها الدائم لإسرائيل. وقد استشهد سلام نفسه بالمقالة في حوار تلفزيوني عام 2021 لينفي عن نفسه صفة المرشّح الأميركي لرئاسة الحكومة.

– المحطّة الثانية: كتاب نوّاف سلام تحت عنوان “لبنان بين الأمس والغد”، طرح فيه رؤيته الكاملة السياسية والاقتصادية وموقفه من اتّفاق الطائف، وانتهى إلى الدعوة لإقامة الجمهورية الثالثة.

– المحطّة الثالثة: هي الحوار التلفزيوني الذي أجراه نوّاف سلام عام 2021 على شاشة الـLBCI مع الزميل ألبير كوستانيان في برنامج “عشرين 30″، والذي كان القصد منه، أي الحوار، تقديم برنامجه لرئاسة الحكومة عندما يحين وقتها. وقد حدّد فيه ثلاث ثوابت:

1- لا صحّة لمقولة الاحتلال الإيراني للبنان. إيران لاعب كبير في بلد فيه لاعبون آخرون.

2- “الحزب” قوّة سياسية كبرى علينا التعامل معها.

3- سلاح “الحزب” يجب أن يوضع ضمن سياسة دفاعية موحّدة للدولة اللبنانية كأنصار الجيش أو ما شابه ذلك.

كان نوّاف سلام واضحاً في هذا الحوار التلفزيوني المخطَّط له كما يبدو، عندما قال إنّ رؤيته تتحقّق عبر حكومة مستقلّين تتألّف من 50% من الناخبين الذين لم يصوّتوا في الانتخابات النيابية الأخيرة، أي أنّه وضع المشاركين قي الانتخابات في مربّع الاستبعاد، مستثنياً الثنائي الشيعي الذي لم يخُض الانتخابات بمعناها التغييري الديمقراطي بل بمعنى وهدف الهيمنة على الصوت الشيعي، واستطراداً على قرار البلد تحت عنوان الميثاقية تارة، وحصريّة التمثيل الشيعي به تارة أخرى، كما هو حاصل بامتلاكه كامل الحصّة الشيعية في مجلس النواب.

يقول نوّاف سلام إنّ نظريّة القائد سقطت كلّياً، وهنا مكمن “الحكاية النوّافيّة

ماذا سنفعل؟

أزمتنا مع نوّاف سلام هي أزمتنا مع أدواتنا في مباشرة القضايا السياسية. كنّا نهرب من الواقع ونحن ننظر إلى هذا الواقع. هربنا من نجيب ميقاتي ونحن ننظر إلى ميقاتي فوقعنا بأحضان نوّاف سلام من دون النظر إليه. اخترناه للتخلّص من غيره، فلم نتفحّص شخصه ولا رؤيته، ولم نختبره ولم نسأله ولم نعقد معه اتّفاقاً. تعاملنا معه بمنطق المرأة المطلّقة التي تريد الزواج برجل آخر نكاية بطليقها.

هل خدعنا نوّاف سلام؟ أم نحن خدعنا أنفسنا؟ الإجابة تحدّد الرؤية المطلوبة والحكومة المطلوبة أو الثورة المطلوبة. في الحالات الثلاث المأزق مستمرّ حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى