والبقاع يحشد أيضاً: «حتى التحرير الكامل»
مع انقضاء مهلة الـ 60 يوماً لاتفاق وقف إطلاق النار، شهدت منطقة البقاع في لبنان تحركاً شعبياً لافتاً، تمثل في مسيرات تضامنية انطلقت نحو الجنوب في خطوة تعكس التضامن الوطني ومساندة أهالي الجنوب في استعادة قراهم وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.
الإعلامية والناشطة في منطقة بعلبك الهرمل جنان شحادة، أوضحت أن هذه الفكرة لم تبدأ صباح الأحد مع عودة الجنوبيين إلى قراهم، بل تعود إلى بداية عملية «طوفان الأقصى» والاعتداءات الإسرائيلية التي أعقبتها على جنوب لبنان، حيث استقبل أهالي البقاع النازحين الجنوبيين في منازلهم وقدموا لهم كل ما يلزم. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي، ازدادت المبادرات البقاعية، حيث تطوع عدد كبير من الأهالي لنقل الجنوبيين الذين لم يمتلكوا وسيلة نقل إلى مناطق آمنة.
ومع اشتداد الاعتداءات، شملت عمليات النزوح البقاعيين والجنوبيين على حد سواء، ما أسهم في تعزيز مشاعر التضحية والتضامن المشترك. وعندما حان وقت العودة إلى القرى الجنوبية بعد وقف إطلاق النار، اعتبر البقاعيون أنفسهم جزءاً من هذه العملية، فانطلقوا فجراً نحو الجنوب من دون أي دعوة رسمية، وإنما بدافع وطني تلقائي.
ومع وصول المشاهد الأولى من الجنوب التي تنوعت بين اقتحام الأهالي لقراهم المحررة واستقبالهم بفرحة النصر، وبين صور الاعتداءات المتواصلة وسقوط الشهداء، قرر عدد من البقاعيين الانضمام إلى هذا المشهد. استقلوا سياراتهم وشاركوا جيرانهم وأصدقاءهم للتوجه جنوباً في قوافل كبيرة، بينما بدأت فعاليات محلية بتنظيم المسيرات، مثل التعبئة التربوية والجهات الطالبية والجامعية.
من جهة أخرى، تجلت أولى مبادرات التعبئة التربوية في منطقة البقاع، في إطلاق دعوة لوزير التربية عباس الحلبي بإعلان يوم الإثنين يوم عطلة رسمية لإفساح المجال أمام الطلاب والمعلمين للمشاركة، سيّما أن عدداً كبيراً منهم هم أصلاً من تلك القرى الجنوبية المحتلة، بحسب مسؤول التعبئة التربوية في البقاع حسين الحاج حسن.
وبفعل عدم استجابة الحلبي للمطلب وتحت ضغط الطلاب والمعلمين، انطلقت رحلات طلابية شارك فيها أكثر من 800 شخص، رغم أن العدد المخطط له كان 250 فقط، فيما أُدرج آخرون على لوائح الانتظار للرحلات المقبلة. واللافت، وفقاً للحاج حسن، أن المشاركين أصروا على قضاء ليلتهم الأولى في الجنوب تعبيراً عن التزامهم الوطني.
موسى طه، صاحب حملة لتسيير الرحلات، أكد أن الفكرة لم تكن وليدة اللحظة، بل استكمالاً لمسار بدأ منذ بداية استضافة النازحين. أشار طه إلى أنه كان يقدم المساعدة للنازحين، بدءاً من توفير الإيواء والمواد الغذائية وحتى نقل البعض إلى سوريا. ومع وصول مشاهد الاقتحام من الجنوب، أطلق إعلاناً عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيه الأهالي إلى المشاركة، وهو ما لاقى تجاوباً واسعاً. انطلقت حملته من عدة مناطق في البقاع، مثل الهرمل وبعلبك وشتورة، ووصلت إلى بلدات جنوبية، منها كفركلا وعيتا الشعب والخيام. وأكد طه أن هذه الحملات لن تتوقف حتى تحرير جميع القرى المحتلة.د
يحضر شحادة مشهداً لافتاً وهو مشاركة عوائل الشهداء، سيما مفقودي الأثر، في المسيرات، حيث توجهوا إلى القرى التي سقط فيها أبناؤهم بحثاً عن جثامينهم، وسط استقبال دافئ من أهالي الجنوب الذين أظهروا تضامناً كبيراً مع هؤلاء العائلات.
وفي مشهد مؤثر آخر، أصر أهالي الجنوب على رد الجميل لأهالي البقاع، حيث استقبلوهم بالقهوة التي أعدوها فوق أنقاض منازلهم، ودعوهم إلى موائد الغداء، ما عكس عمق العلاقة الوطنية المتينة بين الطرفين، بحسب الحاج حسن.
أما من لم يتمكن من المشاركة في المسيرات نحو الجنوب، فقد عبّر عن تضامنه من داخل البقاع. خرج الأهالي إلى شوارع بلداتهم حاملين الأعلام اللبنانية والفلسطينية وصور الشهداء، وجابوا الشوارع بالسيارات والدراجات النارية. شحادة أكدت أن ما من بلدة في البقاع لم تشارك بطريقتها الخاصة، وأن هذه المسيرات تحولت إلى مظاهر تضامنية ضخمة امتدت لساعات طويلة في بعلبك، الهرمل، النبي شيت، بريتال، وغيرها. فيما تزاحمت بيانات التضامن التي أطلقتها الفعاليات والعشائر والعائلات البقاعية عند ارتقاء شهداء على تخوم بلداتهم، تأكيداً على الجهوزية لتقديم التضحيات إن لزم الأمر، بحسب شحادة.
الحاج حسن وصف المشاهد من البلدات الجنوبية بأنها «حرب معنوية» على العدو، حيث ظهر اللبنانيون أمامه من على مسافة «صفر»، متحدين فوهات مدفعياته ورصاص أسلحته الذي صوبها ناحيتهم، معتبراً أنها واجب وطني وأخلاقي أكثر من كونها مجرّد مساندة. وعن المرحلة المقبلة، كشف عن مبادرة جديدة تتمثل في استقطاب متطوعين من فئة مهندس أو عامل وغيرهم للمشاركة في عملية إعادة إعمار القرى الجنوبية.