67 نائباً وأهالي ضـ. ـحايا المرفأ: عريضة لإنشاء لجنة دولية
يعود مطلب تشكيل لجنة تقصّي حقائق دوليّة في قضية انفجار مرفأ بيروت إلى واجهة النقاشات، بعد تقديم لجنة المحامين وأهالي الضحايا عريضة إلى المجتمع الدولي بغية تحريك هذا الملف المُجمّد، الذي يشهد عرقلة غير مسبوقة داخل الجسم القضائي اللبناني المفكك.
وهذا الواقع، ليس منوطًا بالقضاء اللبناني وحسب، بل يمتد ليشمل كل من السلطات السياسية والمنظومة الحاكمة المتواطئة -بالحقائق والأدلة- بالمأساة التي حلّت على اللبنانيين في الرابع من أب عام 2020.
ولما كان هذا المطلب يحمل في طيّاته إهانة مباشرة للدولة اللبنانية العاجزة عن خوض عملية المساءلة الفعلية، والحامية أيضًا لكل المتورطين والمعرقلين، والتي تسعى لتأجيل تحقيق العدالة وطمس الحقيقة لأجل غير مسمى، بما يحمله ذلك من فرضية إشعال الشارع اللبناني، الجاهز بدوره لخوض أي معركة سياسية. وعليه، يبدو وكأن مطلب تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية هو آخر ما تبقى من الحلول المطروحة لهذا الملف السياسي الحساس. فهل ستحاول كل من السلطات السياسية والقضائية عرقلة هذا الملف دوليًا كما هو الحال محليًا؟
نحو المجتمع الدولي
مساء الإثنين 11 أيلول، دعا مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى ضرورة التحرك من أجل تحقيق دولي في إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، منددّا بغياب المساءلة اللبنانية عن المتورطين في هذه القضية.
هذا وقد تزامنت في الآونة الأخيرة تحركات أهالي الضحايا مع اقتراب موعد البدء بأعمال الجمعية العموميّة للأمم المتحدة في دورتها الـ78. إذ من المفترض أن تبدأ بعد الخامس عشر من أيلول الجاري.
من أجل ذلك، فقد جُهّزت عريضة لرفعها للأمم المتحدة، وتم توقيعها من أكثر من 67 نائبًا في البرلمان اللبناني، الذين يمثلون أكثرية النواب داخل المجلس، وعدد من المنظمات غير الحكومية، الجمعيات الحقوقية، أهالي الضحايا والجرحى.
تكمن أهمية هذه العريضة، في المطالبة من الأمم المتحدة، الجمعية العمومية أو مجلس الأمن، بالتدخل المباشر في قضية المرفأ، والعمل على تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، بعدما توقف المسار القضائي اللبناني منذ عام 2021، نتيجة الخلافات القضائية والتدخلات السياسية.
يشرح المحامي الدولي كميل أبو سليمان لـ”المدن” أهمية هذه العريضة. إذ يعتبر بأن الأمور بدأت تسلك مسارها الصحيح، وستقدم هذه العريضة للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن وللجمعية العمومية، على أن تكون المرحلة المقبلة هي انتظار مبادرة أي دولة لتبني هذه العريضة، ومن ثم الحصول على الموافقة الدولية لتشكيل لجنة دولية. ويؤكد أبو سليمان بأن هذه الخطوة إيجابية، لأن بعض الدول بدأت بالإعلان عن ضرورة تشكيل لجنة دولية لتحقيق العدالة للأهالي بعد مرور أكثر من 3 سنوات على انفجار المرفأ، والأمر المؤكد منه بأن المسار سيكون طويلًا، علمًا أن اللجنة الدولية ستكون مختلفة عن المحكمة الدولية، وبالتالي لن يترتب على الدولة اللبنانية أي أعباء مالية.
القضاء الأميركي
في سياق متصل، أعلنت محكمة هيوستن في ولاية تكساس عن بدء تحقيقاتها حول شركة “spectrum” التي استأجرت الباخرة “روسوس” وتولّت نقل مادة نيترات الأمونيوم إلى لبنان، وذلك بعد تقديم شكوى من مجموعة من المتضررين اللبنانيين-الأميركيين، يبلغ عددهم حوالى 9 أشخاص، في تموز 2022، وقد طالبوا بتعويض مالي يصل إلى 250 مليون دولار نتيجة تعريض حياتهم للخطر.
مسار هذه المحكمة سيكون شبيهًا للدعوى المدنية التي قدمها مكتب الادعاء في نقابة المحامين في الثاني من آب عام 2021، عن مجموعة من أهالي الضحايا والمتضررين للمطالبة بتعويض مالي، أمام محكمة العدل العليا البريطانية ضد شركة “سافارو ليمتد”، المسؤولة عن شحنة نيترات الأمونيوم. وقد أصدرت المحكمة حكمًا قضائيًا بتحميل الشركة المسؤولية الكاملة، وحددت التعويضات التي يستحقها الضحايا والتي لامست المليون دولار أميركي.
تحركات دولية
المُراقب والمُتابع لتحركات بعض الدول الأوروبية خلال الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بقضية المرفأ، سيظهر له بأن هذه الدول شددت على ضرورة إنشاء لجنة دولية. وكان من أبرزها عبارة كريستوف غرودلر، نائب في البرلمان الأوروبي التي ذكرها أثناء زيارته لبيروت، قائلًا بأن “لبنان بات بحاجة ملحة لمساعدة دولية”، وذلك عندما أعلن عن الإقتراحات التي ستناقش داخل البرلمان الأوروبي، لحثه على ضرورة تشكيل لجنة دولية. ومن بعدها، شدد البرلمان الأوروبي في آب الماضي على ضرورة إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق، وفرض العقوبات على المتورطين. هذا إلى جانب مطالبة 38 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 7 آذار الماضي بضرورة متابعة التحقيق في تفجير المرفأ.
على أي حال، قد يكون مهمًا التدخل الدولي في قضية المرفأ، للكشف عن المتورطين ومعاقبتهم، في ظل عجز الدولة اللبنانية عن معالجة أي قضية حساسة وقعت على أراضيها. ولكن، من الضروري اليوم تحرير ملف المرفأ محليًا من جموده. وهذه المسؤولية يتحملها القضاء اللبناني المفكك بشكل أساسي، وهو المسؤول عن إعادة الحياة لملف المرفأ، كي يتمكن المحقق العدلي من متابعة تحقيقاته