إقتصاد

في حال حظر النفط الروسي… كم سيبلغ سعر البرميل؟

تصاعد الحديث عن احتمال فرض حظر أوروبي على النفط الروسي، وسط مخاوف من أن يسبب هذا القرار صعود أسعار النفط إلى أرقام فلكية.

 

وقال مسؤولون فرنسيون إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انضم إلى زعماء أوروبيين آخرين في دعم الحظر النفطي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا. وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير إنه يأمل في أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من “وقف استيراد النفط الروسي في غضون أسابيع”.

 

قبل ذلك وافق الاتحاد الأوروبي على جولة خامسة من العقوبات التي تضمنت حظراً على واردات الفحم الروسي. ولكن مع كون النفط الروسي يشكل ما يقرب من ربع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام، فإن فرض حظر أوروبي على النفط الروسي، سيكون بتكلفة ملحوظة لأوروبا والعالم برمته.

 

وروسيا هي ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية، حيث تنتج نحو 10.1 مليون برميل يومياً من النفط الخام.

 

وتتلقى موسكو 40٪ من إيرادات ميزانيتها من صادرات الطاقة. تعتبر مبيعات الطاقة التي تجلب تدفق العملات الأجنبية شريان حياة لروسيا، التي تفتقر الآن إلى الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية.

 

وبعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا، فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على البلاد، استهدفت بشكل أساسي احتياطيات البنك المركزي بما في ذلك صندوق الثروة السيادي.

 

وبينما فرضت الولايات المتحدة حظراً على استيراد النفط والغاز الروسيين، فإن الاتحاد الأوروبي لم يفعل، بسبب اعتماده بشكل كبير على الغاز والنفط الروسيين؛ حيث تلبي صادرات الغاز الروسية نحو 40% من احتياجات أوروبا وتصل إلى أكثر من 50% في ألمانيا.

 

واعتماد أوروبا على النفط الروسي كبير، ولكن بنسب أقل من الغاز، كما أن النفط أكثر مرونة في عملية نقله من الغاز، والأهم أن إيرادات النفط الروسية أضعاف الغاز، كما أن هناك بدائل للنفط الروسي، حتى لو لم تكن كثيرة.

 

كل ذلك يجعل الاستغناء عن النفط الروسي أكثر إيلاماً لموسكو من الغاز.

 

وحظرت أوروبا استيراد الفحم من موسكو، ولكن الفحم هو وقود يتراجع استهلاكه في أوروبا حتى قبل الأزمة الأوكرانية، على العكس من ذلك فإن حظر النفط الروسي قد يحدث قفزة صادمة في الأسعار.

 

في العام الماضي، بلغت مشتريات الاتحاد الأوروبي من الفحم الروسي 5.16 مليار يورو، وهو رقم يتضاءل مقارنة بـ 71 مليار يورو تم إنفاقها على زيوت البترول و16.3 يورو تم إنفاقها على الغاز، حسبما ورد في تقرير لموقع Euronews.

 

ولكن أدت أزمة الطاقة التي تعاني منها القارة منذ أواخر الصيف إلى تضخيم فاتورة الطاقة الباهظة. وفقًا لـ Bruegel ، وهو مركز أبحاث اقتصادي مقره بروكسل، يدفع الاتحاد الأوروبي حاليًا لروسيا 450 مليون يورو مقابل نفطها و400 مليون يورو مقابل غازها- على أساس يومي.

وشجب جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، هذه الأموال التي تدفع لروسيا أمام البرلمان الأوروبي، وقال لأعضاء البرلمان الأوروبي إن الكتلة أنفقت 35 مليار يورو على الوقود الأحفوري الروسي منذ بدء حرب أوكرانيا ومليار يورو فقط على المساعدات الخارجية المخصصة لكييف.

 

في نفس الأسبوع، وافق البرلمان بتأييد ساحق على قرار غير ملزم يدعو إلى “حظر كامل فوري على الواردات الروسية من النفط والفحم والوقود النووي والغاز”.

 

يعكس النداء دعوة بولندا ودول البلطيق، اللتين تقودان الحملة العامة لخفض الاعتماد على الطاقة الروسية، بحجة أن حظر الطاقة الروسية هو الطريقة الوحيدة لإلحاق ألم حقيقي بالرئيس فلاديمير بوتين وإجباره على التفاوض على وقف إطلاق النار.

 

على الرغم من أن المعسكر الشرقي الأوروبي اكتسب أتباعاً جدداً في الأيام الأخيرة، بما في ذلك سانا مارين، رئيسة الوزراء الفنلندية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن الجدل لم يُحسم بعد.

 

وقالت مارين الشهر الماضي: “نحن ندعم ونمول بالفعل حرب روسيا”.

 

على الجانب الآخر من الجدل، أعربت ألمانيا والنمسا، اللتان تعتمدان بشكل كبير على الوقود الروسي عن مخاوفهما بشأن فرض حظر أوروبي على النفط الروسي.

 

وحذر المستشار الألماني أولاف شولتز من أن الوقف المفاجئ للإنجاز سوف يغرق “كل أوروبا في ركود”، وقال نظيره النمساوي، كارل نيهامر ، إن العقوبات فعالة عندما “لا تضعف أولئك الذين يفرضون عقوبات على الشخص الذي يدير الحرب”.

 

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يوصف بصديق بوتين داخل الناتو والاتحاد الأوروبي تعهد باستخدام حق النقض ضد أي محاولة لفرض حظر على الطاقة لأنه، في رأيه، “يقتل” بلاده. (صوتت المجر لصالح حظر الفحم).

 

ولكن مع عدم إظهار موسكو أي بوادر للتخلي عن الحرب واستمرار ظهور التقارير من كييف التي تتحدث عن جرائم حرب يدرك الاتحاد الأوروبي أن النقاش المحوري لم يعد من الممكن تأجيله.

 

إن الوحدة السياسية الاستثنائية التي تحققت بين الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة لمواجهة عدوان بوتين تواجه الآن أكبر اختبار لها.

 

وأوروبا هي عميل روسيا النفطي الرئيسي إلى حد بعيد: تشتري القارة من موسكو 2.4 مليون برميل من النفط الخام يومياً، إلى جانب 1.4 مليون برميل يومياً من المنتجات المكررة الأخرى. تستهلك ألمانيا وهولندا وحدهما 1.1 مليون برميل في اليوم.

 

وهذا يجعل روسيا أكبر مورد للنفط في الاتحاد الأوروبي ، حيث توفر أكثر من 25٪ من إجمالي الواردات الأوروبية.

 

وينقل خط أنابيب دروزبا، الضخم الذي تديره شركة ترانسنيفت الروسية العملاقة التي تسيطر عليها الدولة، أكثر من مليون برميل يومياً مباشرة إلى مصافي التكرير في بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك والنمسا وألمانيا.

ستحتاج الكتلة الأوروبية إلى الاستفادة من قوتها كسوق واحدة غنية لتأمين الإمدادات اللازمة من الدول الأخرى المنتجة للنفط، بما في ذلك النرويج والجزائر ونيجيريا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، للتعويض عن الخسارة الفادحة في النفط الروسي.

 

قد يكون إبرام مثل هذه الصفقات صعباً، حيث إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بالاشتراك مع موسكو (أوبك بلس)، تحد من الإنتاج منذ ظهور جائحة COVID-19، بدعوى أن الطلب العالمي لا يزال غير مستقر ويتعرض لضغوط من الفيروس.

 

وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الطاقة الفائضة التي تبلغ نحو مليونين ونصف المليون برميل تكاد تتركز بالكامل تقريباً في السعودية وإلى حد أقل في الإمارات، وهذه الطاقة الفائضة تعادل أقل من نصف صادرات روسيا من النفط.

 

ويربط البعض موقف السعودية والإمارات تحديداً الرافض لزيادة إنتاج النفط، بغضب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي من طريقة تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن معه، بسبب اتهام واشنطن له بالتورط في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكذلك استياء الرياض وأبوظبي مما يعتبرانه تساهلاً أمريكياً مع إيران في ملفها النووي، إضافة إلى تأثير العلاقة المتنامية بين السعودية والإمارات مع بوتين في السنوات الماضية.

 

والنتيجة أنه ليس هناك زيادة تذكر في إنتاج معظم دول أوبك.

 

وقال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو لمسؤولي الاتحاد الأوروبي في اجتماع عقد مؤخراً في فيينا، وفقاً لنسخة من خطابه اطلعت عليها رويترز: “من المحتمل أن نرى خسارة أكثر من سبعة ملايين برميل يومياً من صادرات النفط والسوائل الروسية الأخرى.”

 

كما أن اثنتين من أهم دول العالم التي يمكن أن تعوض النفط الروسي هما إيران وفنزويلا خاضعتان لعقوبات غربية قاسية، ويبدو أن واشنطن والدول الأوروبية لا تريد تقديم تنازلات كافية للتسوية مع الدولتين، خاصة طهران والتي رغم إنه قيل مراراً إن صفقة إحياء اتفاقها النووي قد اقتربت، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن.

 

يمكن أن يؤدي فرض حظر أوروبي على النفط الروسي، إلى تشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ عقوبات ضد شراء أي دولة أخرى للنفط الروسي، مثلما فعلت مع طهران، وأدى ذلك إلى وقف شبه كامل لصادرات النفط الإيراني.

 

يقول مصرف الاستثمار العالمي “جيه بي مورغان”، إن الحظر الكامل والفوري للنفط الروسي قد يؤدي إلى إزاحة أكثر من 4 ملايين برميل يومياً من الإمدادات – مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنحو 65% إلى 185 دولاراً للبرميل.

 

وسبق أن حذرت روسيا من أن سعر برميل النفط سيصل إلى 300 دولار إذا حظر الغرب واردات الطاقة.

 

ولكن جي بيه مورغان، قال إنه يمكن لأوروبا التخلص تدريجياً من النفط الروسي على مدى أربعة أشهر تقريباً، على غرار النهج المتبع مع إمدادات الفحم الروسية، دون الإخلال بالأسعار بشكل كبير، حسبما تضيف كانيفا.

ويتسم السيناريو الرئيسي لدى البنك بأنه أكثر تحفظاً، حيث يقيم خفض الإمدادات الروسية إلى أوروبا بحوالي النصف بـ”الصارم”، مع تعطل حوالي 2.1 مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام.

 

قد يستغرق التخارج من الاتفاقيات مع الشركات الروسية، عادة عقود طويلة الأجل، وقتاً، لكن إذا دفعت أهوال الحرب في أوكرانيا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات أكثر قوة، فإن تضرر الإمدادات- وإزعاج المستهلكين- يمكن أن يكون أكبر بكثير.

 

بينما لا يزال الجدل السياسي عالقاً في طريق مسدود، يتولى القطاع الخاص زمام الأمور بنفسه. بدأت بعض شركات النفط الرائدة في أوروبا، مثل شل وبي بي وتوتال إنرجي ونيستي، عملية فطم نفسها عن النفط الروسي، خوفاً من الإضرار بالسمعة والانتقام الانتقامي للعقوبات الغربية.

 

لكن من الناحية العملية، اتسمت عملية التخلي عن كميات النفط الروسية بأنها أبطأ مما كان متوقعاً في البداية. ويتوقع بنك “جي بيه مورغان” أن الصادرات الروسية ستنخفض 1.5 مليون برميل يومياً خلال نيسان 2022، أو 25% أقل مما كان متوقعاً في البداية.

 

ومن بين المقترحات الأخيرة التي ناقشتها الدول الأعضاء، إمكانية فرض تعريفة مرهقة على واردات النفط الروسية، وهو عبء من شأنه أن يقلل الطلب في جميع أنحاء الكتلة ويجبر الشركات الروسية على بيع البراميل بأسعار مخفضة، وبالتالي قد يقلل ذلك الإيرادات التي تجنيها موسكو من أوروبا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى