تحقيقات أوروبية تكشف عن مئات الملايين منهـ ـوبة من قبل المسؤولين اللبنانيين
تفوح روائح الفساد في لبنان، خصوصاً تلك المرتبطة بأموال الاتحاد الأوروبي المصروفة على المشروعات البيئية. وقد بدأ أعضاء برلمان الاتحاد الأوروبي يشعرون بأن خطط الاتحاد الأوروبي لإدارة النفايات في لبنان وهمية، مع شكوك تحوم حول تورط وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السابقة فيديريكا موغيريني.خطط وهميةقبل بضعة أشهر، انتشر فيديو على نحو كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه النائب الفرنسي، تييري مارياني، يسأل: “أين تذهب الأموال التي نحولها إلى لبنان لمساعدته؟”. واستشهد النائب الفرنسي برسالة وصلته من عضو في بلدية طرابلس تتحدث عن هبة من الاتحاد الأوروبي لتمويل معمل فرز نفايات. وجاء فيها: “لماذا لا يقوم المانحون بمراقبة مصير الهبة، ولماذا لا يتم التدقيق إن كانت الأموال تتبدد بالفساد؟”.يعود الصحافي البريطاني المخضرم مارتن جاي، والذي كان قد نشر سابقاً عدة تحقيقات عن سرقة أموال الاتحاد الأوروبي في لبنان، ليتحدث في تحقيق جديد، نشره موقع قناة “تي أر تي”، عن تخطيط مجموعة مستقلة من أعضاء البرلمان الأوروبي لاسترداد أكثر من 38 مليون دولار خسرتها المفوضية الأوروبية في لبنان بسبب خطط وهمية لإدارة النفايات، إلى جانب السعي لمحاكمة أولئك الذين كانوا مسؤولين عن الفساد في “بلاد الأرز”.ستشمل التحقيقات بعض اللاعبين الكبار في لبنان، مثل رئيسي الوزراء السابقين، نجيب ميقاتي وسعد الحريري. ويظهر اسم الحريري بقوة في التحقيقات كونه تربطه علاقة برجل أعمال لبناني سرق مبالغ ضخمة من برامج الاتحاد الأوروبي لإدارة النفايات، ولأنه كان وراء حيلة جديدة لسرقة المزيد من أموال المساعدات الدولية لإنشاء محرقة للنفايات بقيمة مليار دولار.تحقيق أوروبيفي أعقاب التحقيق الذي نُشر في أيار 2019، والذي كشف عن كيف استفاد حزب الله من مساعدات الاتحاد الأوروبي، في كثير من الحالات، نظراً لقوة الجماعة الشيعية في لبنان، وتزايد حالات السرطان الناجمة عن محطات لإعادة التدوير وصناعة الأسمدة العضوية يمولها الاتحاد الأوروبي. يتوجه البرلمان الأوروبي اليوم لفتح تحقيق واسع عن فساد قادة لبنان والدور المشبوه لفيديريكا موغيريني.يقول مارتن جاي أن هناك مجموعة يقودها النائب الفرنسي، تييري مارياني، ستحقق باختلاس مساعدات الاتحاد الأوروبي للبنان، ويمكن أن تمنع بموجب التحقيقات مساعدات تقدر بمئات ملايين اليوروهات من دعم الاتحاد الأوروبي إلى بيروت واللاجئين السوريين في المستقبل.يدعم مارياني في مسعاه العديد من النواب الفرنسيين. وهو يشعر بالقلق إزاء خطط إدارة النفايات الوهمية في لبنان، والتي تمثل أكثر من 33 مليون دولار (لـ 11 موقعاً) يشعر أنها تغذي السياسيين الفاسدين، بالإضافة إلى المساهمة في الارتفاع المفزع في معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان.من شأن التحقيق أن يلقي الضوء على المشاريع السابقة التي ابتلعت أموال الاتحاد الأوروبي في قطاع إدارة النفايات. فقد خسر الاتحاد الأوروبي من شراء الأراضي وبناء ما لا يقل عن ستة مشاريع للصرف الصحي لم تعمل حتى اليوم، ما يُقدر بحوالى 110 مليون دولار.ويشير جاي أن خطة مارياني لتشكيل لجنة مكونة من أعضاء البرلمان الأوروبي، والتي ستحقق في هذا الكسب غير المشروع والاختلاس على نطاق واسع في لبنان، ستهدف لمحاكمة أولئك الذين كانوا مذنبين وتسعى لاستعادة الأموال المنهوبة. ويأمل أعضاء البرلمان الأوروبي أن تتخذ الحكومة اللبنانية بادرة حسن نية للتحقيق في الموضوع وإعادة الأموال إلى بروكسل.فساد النخبةيعود الفضل في تحرك مارياني، إلى عازف البيانو ورجل الاعمال اللبناني عمر حرفوش، الذي طرح قبل بضعة أسابيع في بروكسل بمؤتمر شارك فيه نواب من البرلمانات الوطنية الأوروبية، وفي أوج التحركات الشعبية التي تجوب مختلف المناطق اللبنانية، وجوب الاتجاه نحو تجميد أموال المسؤولين اللبنانيين وعائلاتهم خارج لبنان كبداية للحل ونقطة الإنطلاق نحو استعادة الأموال المنهوبة.نظّم حرفوش، وهو شخص مشهور في فرنسا، مؤتمراً مماثلاً في العام الماضي في مجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة فيليب دوست بلازي، الذي شغل أيضاً منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة. وكانت ادعاءاته عن لبنان استثنائية لأنه كشف أن معملاً فرنسياً لفرز النفايات بقيمة 38 مليون دولار، كان سيشرف على تشييده بنفسه، قد تم إلغاؤه لأسباب ترتبط بالفساد، ولا تنحسر بالنخبة السياسية في لبنان وإنما تمتد إلى المجتمع المدني.وتوجه حرفوش حينذاك بإصبع الاتهام للمنظمات غير الحكومية في طرابلس، والشخصيات التي تقف وراءها، بالدخول في محاصصات مشينة، متواطئةً مع الرئيس سعد الحريري لتضخيم قيمة مبالغ تشييد محارق النفايات.وعود كاذبة وتهديداتقرر الاتحاد الأوروبي منذ قرابة الأربع سنوات إعطاء هبة لبلديات الفيحاء التي تضم طرابلس، والميناء، والبداوي والقلمون، من أجل بناء معمل لفرز أكثر من 500 طن يومياً من النفايات وتشغيله لمدة ثلاث سنوات. وبعد سبعة أشهر من تشغيله، تم إغلاق المعمل نهائياً نتيجة انتشار روائح النفايات في مدينة طرابلس، لأنه لم يتم فرز النفايات كما هو مطلوب.التقى حرفوش في بداية الأزمة مع السياسيين في طرابلس الذين طلبوا من فرنسا المساعدة. كما التقى بملياردير طرابلس ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون، اللذين قالا إنه إذا كان بإمكانه إيجاد حل، فسوف يدعمانه، الأمر الذي لم يحدث طبعاً نتيجةً لغياب الرشوة.يدّعي حرفوش في مقابلة أجراها مع قناة “تي أر تي”، بأنه التقى الحريري سبع مرات، وقد أعطى هذا الأخير الضوء الأخضر دائماً، لكنه لم يدفع لانطلاق المشروع بشكل غامض، ما جعله يشكك بنوايا رئيس الوزراء اللبناني السابق. كما قال أن رئيس بلدية طرابلس، قاد حملة ضد المعمل الجديد متلطياً خلف المجتمع المدني. وبأنه سمع قصصاً عن ثلاثة محارق تقدر قيمة كل منها بـ 170 مليون دولار، بينما سعرها الحقيقي هو 120 مليون دولار، أي أنه وُجدت خطط لسرقة تبلغ قيمتها 50 مليوناً عن كل محرقة.بينما يتحدث حرفوش عن فساد الحريري، يجزم بأنه تعرض لتهديدات من ميقاتي، ويدّعي أن التهديدات التي تلقاها حقيقية، ولهذا السبب يخشى العودة حالياً إلى لبنان، مضيفاً إن مارياني هو الرجل الذي دفع ملف لبنان الآن إلى الأمام، وفضح الاختلاس إلى جانب مساعدة اثنين من أعضاء البرلمان الأوروبي اليمينيين.ويختم حرفوش كلامه بالقول “بمجرد أن يبدأ مارياني شيئاً ما، فإنه لن يتوقف أبداً. يعلم الجميع أنه نظيف وفقير ويعيش في شقة صغيرة جداً في باريس. وهو مستعد للذهاب إلى لبنان في شباط المقبل مع وفد لمتابعة التحقيق، ومعرفة أين ضاعت أموال الاتحاد الأوروبي”.تحقيقات سابقةتجدر الإشارة إلى أن جاي كان قد نشر سابقاً تحقيقات عن المساعدات الأوروبية للبنان، تحدث فيها عن فساد دبرته شركة في لبنان، كان دورها الوحيد هو إنتاج معدات ضخمة ووهمية لصنع السماد العضوي، بينما كانت تلك الآلات في الحقيقة مجرد أسطوانات فارغة بُنيت لخداع الاتحاد الأوروبي والحصول على نصف مليون دولار ثمناً لها.وأشار جاي بأنه لا يوجد أي مصنع تابع للاتحاد الأوروبي في لبنان، ينتج سماداً جيداً يمكن بيعه إلى المزارعين، وأن مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية يعاني هو ذاته من مشاكل فساد، إذ أن الجميع تقريباً اتهم المسؤول عن الإشراف عليها بالاختلاس من الأموال في عمليات المناقصات.وكشف في تحقيقاته السابقة أيضاً أن غياب المساءلة والمحاسبة بشأن مثل هذه المشروعات في السنوات الأخيرة، خلق طبقة من الفاسدين، يحرصون على جني أقصى المكاسب من تلك الأعمال، التي يُمكن فيها ربح مليون دولار أو اثنين، بمجرد إجراء مكالمة هاتفية مع الشخص المناسب. وأن معظم المشاريع الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي وهمية حيث أن بعضها يلجأ إلى حرق القمامة أو التخلص منها في جنح الليل، نتيجة لسوء إدارة تلك المشروعات.