التمديد لجوزيف عون: هل يجنّب الجيش “دوّامة الفراغ”؟
لا ينحصر حجم التأهّب والتهيّب من الأوضاع اللبنانية العامة وسط تمدّد الفراغ المؤسساتي والهواجس أن تصل “دوّامة” ارتداداتها إلى المؤسسة العسكرية مع انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون وتقاعده المبدئي في كانون الثاني المقبل، وسط تنوّع في المقاربات بين قوى سياسية مؤيدة لخيار التمديد له أو تأجيل تسريحه في موازاة بعض التحليلات المتخوّفة من تمدّد الفراغ إلى داخل المؤسسة العسكرية. وهناك من يعتبر أن إمكان التمديد لولاية قائد الجيش سيكون الخيار الأكثر إتاحة وقدرة على البلورة في المرحلة المقبلة. وفي غضون ذلك، لم يحصل التطرّق إلى موضوع التمديد لولاية قائد الجيش على مستوى لقاءات رئاسة الحكومة الرسمية مع المسؤولين، انطلاقاً من تأكيد أوساط مطلعة على مستوى الرئاسة الثالثة، مع الإشارة إلى اقتصار التداول في موضوع مماثل على بعض المجالس السياسية تحسّباً لأيّ فراغ في الأشهر المقبلة. وما يأمل به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ويتمنّاه وينادي به هو ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، علماً أنه لا يزال من المبكر طرح مقترح التمديد لقائد المؤسسة العسكرية حتى اللحظة.ويُحكى على النطاق السياسي استمرار “ورقة الجيش” كشخصية مؤهلة لتولي الرئاسة الأولى مع حظوظ ثابتة في انتظار معرفة السبيل الممكن للتعديل الدستوري وتطبيقه وإذا كانت هناك فئات أساسية قابلة لفكرة انتخابه ما يشمل “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحرّ”. ويتّضح أن لبنان ليس على الأجندة الدولية راهناً باستثناء المبادرة الفرنسية التي يقودها الموفد الرئاسي، مع الرهان على بلورة سياق تظهيريّ لها يقوم على إجراء نقاشات مخفّفة وانتظار كيفية تخريج المبادرة الرئاسية.وعلى مستوى الوضع السياسي العام، ليست هناك أيّ مسائل خلافية أو علاقات متشنّجة مع قيادة الجيش باستثناء رئاسة “التيار الوطنيّ الحرّ” في وقت تتمثل الأولوية الأكثر أهمية في انتخاب رئيس للجمهورية. وإذا استمرّ الشغور الرئاسي حتى أواخر السنة الراهنة عندها “سيكون لكلّ حادث حديث” بالنسبة إلى قراءة رئاسة المجلس النيابي، لكن لا يزال هناك مسافة زمنية طويلة ومن المبكر حسم خيار مماثل. وخلافاً لما أشيع عن تداول بين رئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء في موضوع التمديد لقائد الجيش، فإن أوساط الرئاسة الثانية تنفي لـ”النهار” حصول أي مداولات مع الرئاسة الثالثة في الإطار وسط أجواء باردة في مقاربة هذا الموضوع والتأكيد على ضرورة عدم استباق التطوّرات وتحديد مواقف مسبقة، في اعتبار أن الظروف قد تتبدّل في غضون الأسبوعين المقبلين مع عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. وإذا نجحت مضامين مبادرته تتغيّر الظروف بشكلٍ تلقائيّ مع ترجيح الانتقال في اتجاه أسابيع حاسمة لئلا استمرار التخبّط في المستنقع القائم. ولا إغفال أن يكون قائد الجيش من الأسماء المطروحة للرئاسة الأولى والحال هذه، باعتباره الاسم الثابت ما يُحتّم ضرورة الانتظار حتى أيلول بهدف معرفة تفاصيل التطورات العامّة.وفي مقاربة تكتل “الجمهورية القوية”، التمنيات جليّة بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن بدلاً من انتظار أشهر حتى مرور استحقاق انتهاء ولاية قائد الجيش وأن يكون لبنان بلا رئيس. وتقوم الأولوية بالنسبة إلى تكتل “الجمهورية القوية” في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة وإجراء تعيينات وفق الأصول بعيداً عن الفرضيات. ويؤيد التكتل في تأكيده مصادره النيابية لـ”النهار” تطبيق القانون وما تنصّ عليه مندرجاته، مع رفض سعي البعض إلى إضاعة مزيد من الوقت وتعطيل انتخاب رئيس في مسعى قد يراد منه إنهاء ولاية قائد الجيش، ما يقود إلى المجازفة في الوضع اللبناني نحو المزيد من التحديات أمام اللبنانيين. وتؤكّد قراءة “القوات البنانية” على تقديرها لقائد الجيش العماد جوزف عون وبقائه شخصية مارونية مرموقة حتى إذا أحيل إلى التقاعد ما لا يُنقص من دوره.ماذا عن الكيفية الممكنة للتمديد لقائد الجيش إذا استمر الشغور الرئاسي حتى كانون الثاني المقبل؟ استناداً إلى الايضاحات التي تنطلق منها مقاربة الخبير القانوني والدستوري الدكتور سعيد مالك عبر “النهار”، فإنّ التمديد لقائد الجيش يمكن أن يحصل في إطار قرار صادر عن وزارة الدفاع الوطني عملاً في المادة 55 من قانون الدفاع أو في سياق مرسوم صادر عن مجلس الوزراء أو من خلال قانون يصدر بهدف تعديل قانون الدفاع. وتنصّ المادة 55 من قانون الدفاع على إمكان إجراء تأجيل تسريح الضباط في حالة من حالتين: اعتلال طبيّ لم يحصل البتّ به أو بقرار عن وزير الدفاع بناءً على التزام قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حال الطوارئ أو إذا جرى تكليف الجيش بمهمّات أمنية. وإذ تكمن الإشكالية الأولى في السؤال إذا كان في إمكان قائد الجيش التمديد لنفسه، ترتبط الاشكالية الثانية في العلاقة غير الجيدة حالياً بين قائد الجيش ووزير الدفاع.وتقوم الطريقة الأنجع في رأي مالك على صدور قانون عن المجلس النيابي على غرار القانون الذي سبق أن صدر عام 1995، والذي جاء آنذاك لمصلحة العماد اميل لحود لمدّة 3 سنوات قبل انتخابه رئيساً سنة 1998. ما يعني، والحال هذه تعديل قانون الدفاع. وعملياً، بحسب القانون إذا شغر منصب قائد الجيش فإن من يحلّ مكانه هو رئيس الأركان، لكن الشغور الحاصل أيضاً على مستوى هذا المنصب يلفت إلى ضرورة الذهاب استناداً إلى نصّ المادة 39 من قانون الدفاع إلى الضابط الأعلى رتبة لتولّي الصلاحيات. وفي الإمكان تجنّب ذلك إذا شُكّل المجلس العسكري ومن ضمنه رئيس الأركان ما يجعله يحوز مهمّات قيادة الجيش. لكن، يقوم الخيار الأمثل على انتخاب رئيس للجمهورية خارج البحث في حلول ترقيعية مع تأكيد ضرورة تحقيق انتظام عمل المؤسسات بدلاً من تسويق أي طريقة غير فعّالة نتيجة الفراغ الرئاسي الحاصل.