اخبار محلية

ديوان المحاسبة حسم: كازينو لبنان لا يخضع للشراء العامّ!


عندما يصدر عن مؤسسة رسمية ذات طابع قضائي، مثل ديوان المحاسبة رأي أو قرار معلّل وفق الأصول، مستنداً الى مندرجات قانون المحاسبة العمومية، والمراسيم والقرارات المرعيّة الإجراء، الصادرة عن المراجع المختصة في الدولة اللبنانية، لا يسع أحداً عندها معارضة ما صدر، والتمنّع عن التنفيذ أو التقيد بمضامينه.

فالديوان حالياً، من المؤسسات التي لا تزال تعاند التصدع المؤسساتي الذي أصاب الدولة برمّتها، ومرد صموده هذا، هو قناعة قضاته بأنه بات الملاذ الأخير للدفاع عن إنفاذ القانون، وإحدى المؤسسات القليلة التي لم يغزُها الفساد الشامل، والتحاصص المصلحي والسياسي.
الكلام عن عقد تلزيم الكازينو، في تشرين الثاني 2022، ألعاب الميسر عبر الإنترنت لشركة OSS (Olive Support Systems) دون المرور بهيئة الشراء العام، نال نصيبه من النقاش القانوني والإداري وحتى السياسي، إلى أن حسم ديوان المحاسبة الأمر، وأفتى بما أقنع البعض ولم يقنِع البعض الآخر، لكن الجميع التزم.

فقد أصدر ديوان المحاسبة رأيه الاستشاري حول تلزيم ألعاب الميسر عبر الإنترنت، فجاء رأيه حاسماً بعدم خضوع الكازينو لأحكام قانون الشراء العام. وفيما لم يتطرق الى وقف العمل بالعقد الموقع، إذ للإدارات المعنية (رئاسة الحكومة ووزارة المال)، بتّ مصير العقد الذي ينتهي في عام 2026، لكنه دعا إلى وضع تشريع يخوّل الكازينو إدارة القمار أونلاين.

وقد أوصى الديوان بتوسعة نطاق الامتياز الممنوح ل#كازينو لبنان ليشمل القمار أونلاين بأنه يحتاج إلى نص تشريعي واضح عملاً بقاعدة موازاة الصيغ والأشكال، فيما لا تشكل المادة العاشرة المعدلة بموجب الملحق التعديلي الثاني من عقد الاستثمار غطاءً قانونياً كافياً لألعاب القمار أونلاين. كذلك حض الديوان على وجوب وضع الأطر القانونية والتنظيمية لقطاع القمار أونلاين، من دون إبطاء، بغية حماية حقوق الدولة المالية، من جهة، وبغية حماية حقوق كافة الأطراف، من جهة أخرى، وحماية المجتمع ككل من الآثار السلبية المحتملة لهذه الألعاب عبر وضع شروط وضوابط واضحة وصارمة.

وفيما أكد ضرورة أن تتخذ الإدارة الإجراءات المناسبة في ضوء الواقع الراهن على النحو الذي يحمي مبادئ المشروعية القانونية من جهة ومراعاة مصالح الدولة المالية من جهة أخرى، أشار الى أهمية أن تعمل الأجهزة المختصة والإدارات المعنية من أمنية وقضائية وغيرها على وقف العمل بالمواقع غير المرخصة.

الى ذلك رأى الديوان في طلب إيقاف العمل بمنصة الـOnline التابعة لكازينو لبنان، أن طبيعته هي من قبيل ممارسة سلطة وصاية على كازينو لبنان وهو أمر غير صحيح البتة، فشركة كازينو لبنان هي مساهمة صاحبة امتياز يحكم إدارتها وخياراتها نظام الشركة وقانون التجارة اللبناني الذي يحدد في موادّه 21 و22 و23 طبيعة ومجالات سلطة الوصاية على المؤسسات التابعة لها… وتالياً هو واقع في غير محله القانوني وهو من قبيل تجاوز حد السلطة، معتبراً أنه “لا يمكن الاستناد إلى مخالفة العقد الراهن لقانون الشراء العام لطلب وقف تنفيذه أو تعليق العمل به أو تغريم شركة كازينو لبنان لمخالفتها القواعد المقررة في هذا القانون. مع أن الكازينو غير خاضع في الأصل لقانون الشراء العام، مؤكداً عدم إخضاع العقد الراهن لقانون الشراء العام”.

مصادر الكازينو علقت على اعتبار أن لا صفة قانونية للكازينو تخوّله تنظيم ألعاب الميسر عبر الانترنت، فقالت لـ”النهار”: “صحيح أن قانون الامتياز الصادر عام 1995 ينص على أن كل ألعاب الامتياز تمارس ضمن حرم الكازينو، بيد أنه في حينه، أي في عام 1995 لم يكن هناك “أون لاين”، علماً بأن رأي ديوان المحاسبة لم يتطرق الى وقف “الأون لاين”، ولم يوصِ بإبطال العقد، بل طلب من الدولة اللبنانية أن تقوم بواجباتها لوقف السوق السوداء”. الخلاصة وفق ما تقول المصادر أن رأي الديوان وضع الكرة في ملعب الدولة التي ليس من مصلحتها وقف “القمار أون لاين” نظراً الى العائدات التي تجنيها منها، فيما إدارة الكازينو ستبقى تعمل وفق العقد في انتظار التشريع الذي طلبه الديوان”.

ما بين “الشراء العام” و”الديوان”؟

رأي ديوان المحاسبة جاء خلافاً لرأي هيئة الشراء العام التي كانت قد خاضت معارك مع إدارة الكازينو في هذا المجال. ولكن رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية الذي أكد لـ”النهار” أن رأيه حيال الملف معروف ومختلف عما خلص إليه رأي الديوان، قال “أما وقد صدر رأي الديوان فأنا سألتزم به حتماً، فأنا ابن الديوان وعملت معه 20 عاماً قبل أن أكون رئيساً لهيئة الشراء العام. وتالياً بما أننا نناضل لدولة القانون والمؤسسات، وبما أن ثمة قضاءً اسمه ديوان المحاسبة رأى أن الكازينو غير خاضع لهيئة الشراء العام، فأنا ألتزم حرفياً برأيه ولن أخالفه”.
وأوضح أن “كل الآراء الاستشارية غير ملزمة، فنوع المعاملة أو الملف هو الذي يحدّد ما إن كان قرار أو رأي الديوان ملزماً أم لا. فمزايدة البريد مثلاً، طُلب من الديوان الموافقة عليها، أما في ما يتعلق بالكازينو، فقد طلبت إدارتها رأي الديوان في ما إن كان يخضع لهيئة الشراء العام”. وإذ أوضح أن “قرار الديوان بعدم الموافقة على مزايدة البريد يفترض أن يكون ملزماً، ويعرّض المخالفين له للملاحقة”، لفت الى أنه كان قد أرسل كتاباً إلى ديوان المحاسبة طلب فيه عقوبات على إدارة الكازينو لأنها ارتكبت مخالفات كبيرة في العقد المتعلق بألعاب الميسر، ولكن بما أنه جاء الرأي بعدم خضوعه، فإن الأمر أصبح كأنه لم يكن”.

هيئة الشراء العام استندت الى أن أحكام قانون الشراء العام، تشمل كل الجهات الشارية وهذه الجهات محددة بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة الثانية من هذا القانون ومن ضمنها وبصراحة النص “الشركات التي تملك فيها الدولة وتعمل في بيئة احتكارية”. وتالياً بما أن شركة كازينو لبنان تملك فيها الدولة عبر شركة إنترا التي يملك فيها مصرف لبنان وهو مؤسسة عامة وتعتبر أموالها أموالاً عمومية سنداً لأحكام المادة (2) من قانون المحاسبة العمومية، وبما أن شركة كازينو لبنان تعمل في بيئة احتكارية لناحية ألعاب الميسر التي تتولى الإشراف عليها وإدارتها، كما أن هذا المرفق هو من المرافق العامة التي تديرها الشركة بالاستناد إلى الاحتكار المعطى لها والمسند إلى القانون رقم 320 تاريخ 1993/3/24، فتكون تالياً من عداد الجهات المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قانون الشراء العام.

لكن من الأسباب التي أوردها ديوان المحاسبة التي تحول دون إخضاع الكازينو لقانون الشراء العام، أن الدولة لا تملك مباشرة أيّ سهم في شركة كازينو لبنان الذي تملك جزءاً كبيراً من أسهمه شركة إنترا التي هي بدورها شركة خاصة تعمل وفق قانون التجارة البرّية. كما أنّ شركة كازينو لبنان شركة مساهمة خاصة تنفق مالاً خاصاً، وهو ليس من الجهات الشارية وفق منطوق قانون الشراء العام. وأشار إلى أنه يتبيّن من القانون 1995/417 أن شركة كازينو لبنان أعطيت حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار، وأن ممارسة حق الاستثمار المذكور تتم في نادي القمار الوحيد المنشأ بموجب القانون الصادر بتاريخ 1954/8/4، فيما يتم استثمار ألعاب القمار بواسطة الماكينات والألعاب الموجودة داخل صالات نادي القمار في المعاملتين، وعملاً بقواعد التفسير القانونية “لا يجوز التوسّع في تفسير موضوع الاستثمار الحصري، ليشمل ما لم يتم النص عليه صراحة أو ما لم يتم إدراجه وفقاً للأصول في متن عقد الاستثمار وملحقاته”.

الخلاصة ثمة مؤسستان تظللان العمل الرقابي على المال العام في لبنان، وهما في مبرر وجودهما وعلة وظيفتهما، يمكن اعتبارهما أهم مؤسستين في الإدارة اللبنانية، هما ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام. ولو التزم الجميع، ساسة وإداريين، فحوى ومضمون تقاريرهما وقراراتهما، لانتظمت حكماً عمليات الصرف والتلزيم والتعاقد في الدولة، وتوقف الهدر المتواصل للمال العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى