توقيت ومضمون مشـ.بوهان لمشروع قانـ.ون إعادة هيكلة المصارف
لا يُمكن لأحد نكران أهمّية إعادة “هيكلة المصارف” في لبنان، خصوصًا أن الكل يعلم أن هناك إستحالة لنهوض الإقتصاد اللبناني في ظل غياب القطاع المصرفي، بحكم أن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد ليبيرالي، وهذا يعني أن أساس النمو فيه يعتمد على التمويل سواء من الأسواق المالية (حالة الدول المُتطورة) أو من القطاع المصرفي (حالة الدول في طور النمو ومنها لبنان).مشروع القانون المُقترح بتّه في جلسة الغدّ لمجلس الوزراء، يحمل في طياته الكثير من الإعتراضات على المضمون، خصوصًا أن إستهداف المصارف (وإستطرادًا الودائع) واضح في هذا المشروع، الذي وبدون أدنى شكّ سيؤدّي إلى القضاء على كل المصارف الحالية في لبنانهناك عِدّة وجهات نظر لهذا الملف، وبالتالي عِدّة حلول مُحتملة بحسب النظّرة إلى مُشكلة المصارف:- النظّرة الأولى لهذا القطاع، تُمثّلها حكومة تصريف الاعمال ، والتي تطرح مسودّة هذا المشروع على طاولة مجلس الوزراء. وتتمثّل هذه النظرة بتحميل كامل المسؤولية إلى المصارف دون غيرها. مع العلم أن مَن أنفق المال هي الدولة اللبنانية، التي ومن خلال مسودّة مشروع قانون “إعادة الإنتظام المالي العام”، يتبين أن الدولة تريد شطب ديونها وديون مصرف لبنان للمصارف بكل بساطة، حتى من دون إقرار قطوعات حساب للموازنات العامة منذ العام 2003 إلى العام 2021 ، والتي تُظهر للرأي العام أين صُرفت الأموال.النظرة الثانية وهي نظرة أكثر واقعية، وتنصّ على أن المصارف تتحمّل حكمًا مسؤولية في ما حدث، إلا أنها لا تأتي بالدرجة الأولى في سلم المسؤوليات، ولا شيء يُبرّر أن تعمد الحكومة إلى شطب الديون، وبالتالي الودائع المصرفية التي تعود إلى المواطنين. بمعنى آخر، يجب أن تتحمّل المصارف نسبة من المسؤولية في الخسائر، ولكن أيضًا يجب على الحكومة وعلى مصرف لبنان تحمّل حصّة من الخسائر توازي حجم المسؤولية.النظّرة الثالثة هي نظرة برغماتية، وتسمح بإعادة تفعيل عمل المصارف، وبدء سدّ حاجات المودعين والعملاء عامّة بفعّالية أكبر، من دون إيقاف العمل القضائي. وتحضّ هذه النظّرة بأهميّة خاصة، نظرًا إلى أنها تستند بشقٍ كبير على التعميم 154 ، والذي يُلزم المصارف بنسب مُعيّنة لرأس المال والسيولة، ويُشكّل أساسا صلبا لإعادة تفعيل العمل المصرفي من دون ضرب الودائع، والأهمّ بدون خسارة الوقت الذي تفرضه الحكومة والمقدّر بست سنوات أقلّه.قراءة مشروع القانون تطّرح أسئلة على توقيت ومضمون هذا المشروع، الذي يعتمد على قوانين أخرى غير موجودة مثل قانون “إعادة الإنتظام المالي العام” أو قانون “الكابيتال كونترول”. ويحوي المشروع على الكثير من المواد المبهمة وغير الواضحة كيفية تطبيقها. فمثلًا وعلى سبيل المثال، في غياب سعر صرف موحّد، كيف يُمكن للجهات الرقابية أو المالية تقييم موجودات القطاع المصرفي؟ وكيف يُمكن تقييم موجودات المصارف اللبنانية، وهي تضع قسما كبيرا منها في سندات اليوربوندز الصادرة عن الدولة اللبنانية، وشهدات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان؟ ويُمكن أيضًا التساؤل عن أحقّية الحكومة في وضع هذا المشروع، مع العلم أنها طرف، وبالتحديد هي من صرف الأموال أي 95 مليار دولار أميركي دين عام (لا نعرف أين ولا نعرف كيف!)، منها 85% دين داخلي قبل الأزمة (تقرير “بنك أوف أميركا – ميريل لنش”)؟أيضًا يُمكن طرح السؤال عن نوايا القانون من ناحية الهيئة المولجة إدارة ما يُسمّى بـ “العملية الإصلاحية”، حيث أن أحكامها مُبرمة ولا إمكانية للطعن فيها وأعضائها محميون قانونًا. وبالتالي، أي قرار بشطب مصرف (عن حق أو غير حقّ) هو أمر مُبرم! الجدير ذكره أن إلتزامات المصارف تجاه المودعين يتمّ تطييرها في حالة واحدة بحسب القانون، وهي إفلاس المصرف أو تصفيته وشطبه من لائحة المصارف في لبنان.
بالطبع لائحة الملاحظات على مشروع القانون طويلة، ولا يسعنا سردها بالكامل في هذا المقال، إلا أن هناك أمرًا لافتا وهو توقيت طرح مشروع القانون. مع العلم أن قوانين أخرى لم تُقّر حتى الساعة، وأن لجنة المال والموازنة طالبت وتُطالب بكل مشاريع القوانين الإصلاحية ذات الطابع المالي ، لكي يكون هناك نظّرة شاملة على الخطّة الحكومية.مصدر نيابي رجّح أن يكون الهدف من توقيت مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي هو “تمرير مشروع موازنة العام 2024 بمرسوم تشريعي صادر عن الحكومة، كما ينصّ عليه الدستور. مع العلم أن هناك إعتراضات كبيرة من قبل لجنة المال والموازنة على مشروع الموازنة وعلى الخطة الحكومية، وبالتالي قد يكون هناك نوايا من قبل الحكومة لإفتعال مُشكلة مع لجنة المال والموازنة، وبالتالي المجلس النيابي، وحرق الوقت حتى الوصول إلى شهر كانون الثاني 2024 حيث يُمكنها تمرير مشروع موازنة العام 2024 بمرسوم تشريعي”.وشكّك المصدر في أن يكون ما ورد في النسخة التي أُرسلت إلى رئاسة مجلس الوزراء هي النسخة التي عمل عليها مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. الجدير ذكره أن هناك فارقًا واضحًا بين النسخة الأولى (draft version) المنصوصة باللغة الإنكليزية، وبين النص المُرسل باللغة العربية إلى رئاسة مجلس الوزراء. هذا الفرق قال عنه رئيس “جمعية تجّار بيروت” نقولا شمّاس أنه نتاج “أيدي خفية في المطبخ الحكومي، زادت توابل من صناعة لازار المشؤوم والسيىء الذكر”.