في عصر الهدم والردم !
يتداولون في وسائل الإعلام الغربية – الأطلسية أنباء عن مشروع رصيف بحري قبالة قطاع غزة، تتعهد بإنشائه الولايات المتحدة الأميركية وبتمويله الإمارات العربية المتحدة وبحسب هذه الأنباء، فإن أنقاض الأبنية السكنية والمستشفيات والمدارس والمشاغل وغيرها من المرافق، التي تراكمت خلال اشهر الحرب الستة، كافية لردم البحر كما جرى في بيروت في سنوات 1980، لغاية في نفس يعقوب!كان لافتاً في بيروت وفي قطاع غزة أن الآلة العسكرية الإسرائيلية هي أداة الهدم وأن الدول الخليجية النفطية تتولى إزالة الأنقاض وردم البحر .لا شك في أن هذا الأمر يمثل إشكالاً ملحاً في أسئلته عما آلت إليه أزمتنا الثقافية والوطنية إذا جاز لنا استخدام صيغة الجمع بعد أن صارت حدود الجماعة التي يدعي أحدنا الانتماء إليها، ممحيّة ولم يبق لها أثر .فكأن الأبنية التي كانت موجودة بالأمس في بيروت، وبغداد ودمشق، مثل منازل القدس والخليل وقطاع غزة ، اليوم ، شيِّدت دون رخَصْ ، ثم تولت “إسرائيل” أمر إزالة المخالفات .
هنا يمكن التساؤل عما توحي به هذه السيرورة المتكررة، المتمثلة بالصراع بين البنائين الأصليين من جهة والغزاة الذين يهدمون، كأن الأولين لا يعون الخطر ولا يأخذون بالحيطة، بينما يكون الأواخر واثقين من قدرتهم على الغلبة . تحسن الإشارة إلى أنه من المحتمل في هذا الإطار أن نجد شروحات عديدة ومختلفة لتكرار هذه السيرورة عموما ولإهمال أمر الدفاع عن الذات وعن الملكية بوجه خاص، بالرغم من الميل الملاحظ عادة، لترميم ما تهدم دون إيلاء اهتمام لمسألة تحصينه والدفاع عنه . فليس مستبعداً أن يكون ذلك انعكاسا لذهنية محافظة لا تستسيغ التجديد والإبداع.
لن نتوسع أكثر في هذه المسألة لا سيما أننا من جديد حيال تجدد سيرورة التهديم في قطاع غزة تحت إشراف الولايات المتحدة الأميركية استجابة على الأرجح لحاجة الأخيرة الى ركام من أجل ردم البحر، لننظر الى الركام وما تأسس عليه، استناداً إلى التجارب التي ألمحنا إليها في لبنان والعراق وليبيا وسورية . هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فلا نجازف بالقول ان عملية التهديم لن تنتهي في أغلب الظن، عند قطاع غزة، وإنما هي مرشحة لان تتمدد إلى مصر وشمال أفريقيا أيضاً . كأن جميع الشعوب الأصلية في بلدان الهلال الخصيب ومصر وشمال أفريقيا تعيش على أرض الغير ! ينبني عليه أن على هذه الشعوب أن تحسم أمرها فتضطلع بالمسؤولية عن إثبات هوياتها الوطنية والثقافية وعن تأكيد ملكياتها الحصرية لأوطانها . فتهدم وتغير وتنشئ كما يلائم مصالحها حاضراً ومستقبلاً، لا كما تمليه مصالح الامبريالية الأميركية . مهما يكن، يحسن التذكير لعل التذكير ينفع، إن الوطن هو إطار لشرْكة عادلة وصادقة ونبيلة، في أسلوب عيش . وليس بؤرة أو مرتعاً للطغاة والفاسدين والعملاء وشذاذ الآفاق. اللهم إني بلغت!