إيران تغرق في الظلام.. المعاناة تتفاقم والنظام مفلس
في ظل أزمة كهرباء خانقة، باتت معاناة الإيرانيين تتفاقم وسط قرارات حكومية بإغلاق المدارس والمباني العامة في عدة محافظات، بما في ذلك طهران وقم وكردستان. ورأى خبراء أنها تجسيد لعجز النظام عن تقديم حلول جذرية، رغم ثروات إيران النفطية والغازية الهائلة. وأوضح مختصون أن الأزمة الحالية لا ترتبط فقط بالظروف الطبيعية، بل تعكس سوء إدارة وفساداً مستشرياً في مؤسسات الدولة. ويضيفون أن تركيز النظام على تمويل برامج عسكرية ودعم تنظيمات خارجية على حساب الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية، عمّق المشكلات وزاد من معاناة السكان في مواجهة برد الشتاء القاسي.
وفي محاولة للتملص من المسؤولية، تُلقي الحكومة اللوم على العقوبات الغربية. لكن الواقع يكشف أن التخطيط العشوائي والإهمال المزمن هما المحركان الرئيسيان لانهيار قطاع الطاقة، مما يزيد الضغط على المواطنين ويفاقم أزماتهم اليومية.
الخبير في الشؤون الإيرانية، عبد الرحمن الحيْدري، قال لقناة “الحرة” إن إيران تواجه أزمات داخلية مختلفة.
وأضاف أن أبرز هذه الأزمات هي الاحتجاجات الشعبية منذ سنوات والمشاكل في قطاعي البيئة والطاقة والاقتصاد.
وقال: “هذه الأزمات جعلت من النظام الإيراني نظاما منهكا يصارع الموت”.
ويضيف الحيدري أن أزمة الطاقة التي تعاني منها إيران سببها العقوبات الغربية، وسوء الإدارة والفساد.
وأوضح أن النظام استخدم موارد الدولة لأغراض عسكرية وتمويل البرنامج النووي فضلا عن دعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، بدلا من الاستثمار في تحسين الخدمات والبنية التحتية.
السفير لينكولن بلومفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون السياسية والعسكرية، قال من جهته لقناة “الحرة” إن العقوبات الغربية لم تهدف لزيادة معاناة الإيرانيين.
بلومفيلد أشار إلى أن هذه العقوبات هي ضد الحرس الثوري الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الصناعي الإيراني، ويسيطر على قطاع المصارف.
وأوضح أن فرض هذه العقوبات بالتأكيد يضر بإيران كدولة لكن الغاية منها ليست زيادة معاناة المواطنين بل لردع عدوانها.
السفير بلومفيلد أضاف أيضا أن تدهور قطاع الطاقة في إيران مؤخرا سببه سوء الإدارة وإغلاق بعض المنشآت النفطية بعد ارتفاع كبير في نسب التلوث جراء استخدامها “وقودا قذرا”.
وقررت السلطات الإيرانية إغلاق المدارس والمكاتب الحكومية في طهران وعدة محافظات، السبت، لتوفير الطاقة، فيما تواجه البلاد نقصا في الطاقة تفاقم بسبب موجة البرد.
بالنسبة إلى الإيرانيين، فإن أزمة الطاقة ليست الأولى من نوعها.
ففي كانون الاول الماضي مثلا، أغلقت المكاتب الحكومية في طهران لأربعة أيام متتالية، وهو قرار شمل أيضا أكثر من نصف المحافظات، لتوفير الطاقة.
ويقول الحيدري إن هذه الأزمات كانت السبب في تظاهرات “عارمة” شهدتها مدن إيرانية عدة احتجاجا على قرار رفع سعر مادة البنزين مثلا في 2016، والاحتجاجات جراء تفاقم أزمة الطاقة عام 2022.
ويضيف الحيدري أن 22 محافظة إيرانية من أصل 31 اضطرت السلطات إلى إغلاق المدارس والمؤسسات فيها بسبب شح الكهرباء.
وأشار إلى وجود معلومات مسربة تشير إلى نية السلطات اللجوء إلى التعليم الافتراضي لبقية العام الدراسي نهاية شهر مايو المقبل.
السفير لومفيلد أوضح من جهته أن إيران كانت تمتلك سابقا بنية تحتية متطورة للطاقة مقارنة بدول الجوار.
لكن النظام حول ثروة البلاد ومنذ عقود إلى “مغامرات خارجية بهدف تحقيق حلم الخميني لإنشاء مملكة دينية من كربلاء إلى القدس”.
وأوضح بلومفيلد أن تفاقم أزمة الطاقة سيزيد من حدة الاحتجاجات الشعبية، وأن النظام الآن في خطر ويقف على “طبقة رقيقة من الجليد”.
وقالت صحيفة “فاينانشل تايمز” إن انقطاع التيار الكهربائي في إيران هذا الأسبوع وسط نقص حاد في الوقود كشف عن ضعف الدولة الغنية بالنفط أمام العقوبات الأميركية وسلط الضوء على تأثير سنوات من نقص الاستثمار.
أموال لخدمة النظام ضد مصلحة الشعب
يقول الحيدري إن الإيرادات المالية التي يحصل عليها النظام مقابل بيع النفط لا تستثمر في مصلحة المواطن.
وأوضح أن النظام اتخذ خطوات للحد من تبعات الأزمات مثل اختيار بزيشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، وبيع النفط في السوق السوداء، لكن “هذه الخطوات الإنعاشية غير مجدية لنظام يحتضر الآن” وفق قوله.
وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ذكرت أن قرار اغلاق المدارس والمؤسسات اتخذ “بسبب البرد ولإدارة استهلاك الكهرباء”,
لكن تقارير صحفية ذكرت أن تفاقم مشكلات الطاقة سببها هجوم إسرائيلي على خط أنابيب غاز رئيسي في البلاد العام الماضي.
وهذا الهجوم أجبر طهران على اللجوء إلى احتياطاتها الطارئة من الغاز، واستنفاد إمداداتها، التي تكافح من أجل تجديدها.
السفير بلومفيلد أوضح أن النظام الإيراني يتحمل مسؤولية الهجوم الإسرائيلي على أنبوب الغاز الإيراني “بسبب السياسة العدوانية الخاطئة للمرشد الأعلى”.
وأوضح أن هذا النظام لا يحظى بالتعاطف في أي مكان في العالم، وأن هناك تقديرات تشير إلى أن هذا النظام أنفق 50 مليار دولار في سوريا لوحدها لدعم نظام بشار الأسد وإبقاءه في السلطة.
وأشار بلومفيلد إلى أن حماس وحزب الله وبقية الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين حصلوا على مليارات الدولارات من الأسلحة من إيران بدلا من استثمار هذه الأموال لصالح الشعب وتطوير البنية التحتية.
الخبير في الشؤون الإيرانية عبد الرحمن الحيْدري قال إن الدولة تدار بعقلية العصابات.
وأضاف أن أبناء من يتربعون على السلطة لا يكترثون ليحدث للمواطن البسيط موضحا أن هذا الاختلاف الطبقي وازدياد نسب الفقر والبطالة، أمور أدت إلى تفاقم الأزمات.
بلومفيلد قال إن الإيرانيين يشكون كثيرا من هذا النظام الذي توقع أن تكون نهايته قريبة مثل ما حدث عام 1979 بعد تأكد العديد من الإيرانيين أن نظام آية الله “فقد شرعيته”.
بلومفيلد أضاف أيضا أن المرشد الأعلى “فشل” في حماية مصالح المواطنين والدفاع عن بلده.
وأشار إلى أن المرشد الأعلى انشغل بدعم المنظمات في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغزة.
واختتم السفير بلومفيلد حديثه بالقول إن سياسة “الضغط القصوى” التي مارستها الولايات المتحدة طوال الفترة الماضية كان هدفها الوصول إلى اتفاق نووي. (الحرة)