الشرع يبدأ «الدمج» من المنطقة «الأسهل»: مؤتمر الحوار نهاية شباط
في وقت أعلن فيه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، بقاءه في دمشق لفترة طويلة، لمراقبة الأوضاع ومتابعة سير العملية السياسية وعمليات إعادة الإعمار المقررة بموجب الصندوق الذي تمّ إنشاؤه لهذا الغرض (صندوق التعافي المبكر)، أعلن وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مرهف أبو قصرة، أن مؤتمر «الحوار الوطني» الذي تم الإعلان عنه سابقاً سينعقد نهاية شهر شباط المقبل. يأتي ذلك على وقع مفاوضات «معقدة» تخوضها الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، مع فصائل عديدة في شمال وجنوب وشرق البلاد، بما فيها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، التي تمثل القوة الأكبر بين تلك الفصائل. في هذا الإطار، ذكرت مصادر سورية مطّلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن الإدارة الجديدة، التي كانت قد أبدت حماسة كبيرة لعقد المؤتمر بعد فترة وجيزة من سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول الماضي، «فوجئت بعراقيل كبيرة حالت دون المضيّ في عقده»، أبرزها «عدم وجود محاور واضحة له»، في ظل «حالة التشرذم» التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى «عدم جدوى» هذا الحوار قبل بناء علاقات دولية واضحة مع قوى تلعب دوراً بارزاً في الحدث السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي.
وإذ أشارت المصادر إلى أن المباحثات التي أجرتها الإدارة الجديدة مع وفود دولية عديدة دارت بشكل أساسي حول مخاطر وجود جماعات متشددة في سوريا، أضافت أنه طُلب من دمشق «تنظيم الحالة الفصائلية» كخطوة أولى، مقابل تقديم بعض التسهيلات لها، ومن بينها رفع جزئي للعقوبات، قد يتطور إلى رفع كامل، في حال تمكّنت الإدارة من تمهيد الأرض لحوار سياسي ينتهي بالاتفاق على دستور للبلاد، وتشكيل حكومة تمثل جميع السوريين، وهو ما تعهدت الإدارة بفعله. في أعقاب ذلك، بدأت الإدارة جولات عديدة من المباحثات مع عشرات الفصائل الموجودة في سوريا، تمكنت خلالها من رسم خطوط عريضة لدمجها وفق هيكلية محددة في وزارة الدفاع، على أن تتم عمليات الدمج «بشكل هادئ» قد يستغرق بعض الوقت، في ظل تمسك عدد من الجماعات في الجنوب السوري بسلاحها، ورفض «قسد» الاندماج من دون حوار عميق يضمن للأكراد حقوقهم، وهي نقطة لقيت دعماً واضحاً من الولايات المتحدة، وفرنسا التي قدمت نفسها «حامية للأقليات».
وفي محاولة لكسب بعض الوقت، بدأت الإدارة الجديدة توجيه دعوات شفهية لشخصيات سياسية ومجتمعية سورية للمشاركة في مؤتمر الحوار، وسط حديث عن دعوات رسمية سيتم توجيهها لدى استكمال الاستعدادات لهذا الحوار، الذي تريد الإدارة أن يشكل تتويجاً لأولى خطوات دمج الفصائل، ما يفسّر، وفقاً للمصادر، حالة الضبابية التي أحاطت بهذه الخطوة طوال الأسابيع الماضية. وفي وقت تبدي فيه فصائل الجنوب (فصائل درعا والسويداء) تمسكاً واضحاً بسلاحها، ورفضاً للاندماج قبل تحقيق عملية انتقال سياسية واضحة تضمن حقوق الجميع، وتمنع «هيئة تحرير الشام» التي تعتلي سدة الحكم في سوريا من الاستئثار بقيادة البلاد، ووسط تمسك «قسد» بالدعم الأميركي، وجدت الإدارة الجديدة في فصائل الشمال مخرجاً لخطو أولى خطوات الاندماج. يأتي هذا في ظل التحكم التركي المطلق بتلك الفصائل، ورغبة تركيا الملحة في خلق أجواء إيجابية في سوريا تدفع السوريين اللاجئين على أراضيها إلى العودة إلى بلادهم، بالتوازي مع الانخراط التركي الكبير في مشاريع إعادة الإعمار، والتي باتت تمتلك فيها أنقرة حصة الأسد.
إلى جانب ذلك، بدأت تركيا محاولة فتح خطوط تواصل عريضة مع «قسد» بوساطة من إقليم كردستان العراق، مدعومة بالعلاقات الودية الكبيرة التي تجمع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بالرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، الذي يرى في الوجود الأميركي المباشر على الأراضي السورية هدراً للموارد. وانعكست تلك المحاولة في جولة اللقاءات العديدة التي أجراها مسؤولون في «قسد»، على رأسهم قائد هذه القوات، مظلوم عبدي، مع مسؤولين في كردستان العراق، وبناء قنوات تواصل مباشرة بين الحكومة السورية المؤقتة وحكومة أربيل، آخرها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية، أسعد الشيباني، مع رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، على هامش منتدى «دافوس» في سويسرا، حيث وجه الشيباني دعوة لبارزاني لزيارة سوريا.
من جهتها، ترى مصادر كردية مطلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن قيادة «قسد» تدرك امتلاكها أوراقاً عديدة بين يديها، أبرزها سيطرتها على حقول النفط، وسجون مقاتلي تنظيم «داعش»، إلى جانب امتلاكها قوات منظمة كبيرة، الأمر الذي يتيح لها فرصاً عديدة للمناورة، أملاً بالتوصل إلى اتفاق يحافظ، بشكل أو بآخر، على «الإدارة الذاتية» التي بنتها في مناطق سيطرتها. غير أنها، في الوقت نفسه، تخشى من انقلاب الموقف الأميركي بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم، ما دفعها إلى الإسراع في الانخراط في الحوار المباشر مع الإدارة الجديدة، والذي خاضه عبدي بشكل شخصي مع الشرع قبل أيام في دمشق
وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق واضح بين الرجلين، فتح هذا اللقاء باباً واسعاً لجولات عديدة من المفاوضات، التي طالب الشرع بأن تشترك فيها جميع القوى الكردية، وفقاً للمصادر، في إشارة إلى أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المقربة من تركيا والمدعومة من كردستان، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الوقت، قد لا يكون في مصلحة «قسد» التي باتت تلتمس مخاطر الانقلاب الأميركي، ما دفعها إلى توسيع علاقتها مع فرنسا، وهو ما أبدى الرئيس التركي انزعاجه الشديد منه.
وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق واضح بين الرجلين، فتح هذا اللقاء باباً واسعاً لجولات عديدة من المفاوضات، التي طالب الشرع بأن تشترك فيها جميع القوى الكردية، وفقاً للمصادر، في إشارة إلى أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المقربة من تركيا والمدعومة من كردستان، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الوقت، قد لا يكون في مصلحة «قسد» التي باتت تلتمس مخاطر الانقلاب الأميركي، ما دفعها إلى توسيع علاقتها مع فرنسا، وهو ما أبدى الرئيس التركي انزعاجه الشديد منه.
هكذا، ترتسم في متن المشهد السياسي السوري تعقيدات متزايدة في ملفات عديدة، بعضها يتعلق بسلوك الإدارة الجديدة وتحكّمها المطلق بسوريا، من دون وجود سند قانوني أو دستوري، وبعضها الآخر يرتبط بقدرتها على حلحلة التعقيدات المتزايدة في الملفين السياسي والعسكري. يأتي هذا فيما تراقب الأمم المتحدة هذه التطورات، ومعها الولايات المتحدة التي لا تزال تمسك بعصا العقوبات، التي قامت بتجميد بعضها بموجب رخصة لمدة ستة أشهر فقط، في وقت تسعى فيه أوروبا إلى اتخاذ الخطوة نفسها. وتطالب الإدارة الجديدة برفع العقوبات بشكل كامل، أو على أقل تقدير الالتزام بالمدة التي حددها قرار مجلس الأمن 2254، والتي تمنح مدة 18 شهراً لتحقيق الانتقال السياسي، على أن يتم اتخاذ خطوات فعلية على الأرض خلال هذه المدة