
عاد ملف الكلاب الشاردة إلى الواجهة بعد العثور على جثة شاب ثلاثيني مجهول الهوية على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، وانتشار شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم الكلاب بقتله، من دون أي دليل واضح، ما أثار موجة من الذعر والتكهنات بين سكان المنطقة ورواد الشاطئ، وزاد من التوتر في الشارع البيروتي.
في خضمّ هذا الجدل، تداول ناشطون مقطع فيديو يظهر سيدة تواجه عناصر من فوج الإطفاء حاولوا قتل كلبة وأولادها بحجة أنها “مسعورة”، ومنعتهم من تنفيذ مهمتهم مؤكدة أن الكلاب ترعاها مجموعة من السكان ولا تشكل خطراً على أحد. المشهد قسم الرأي العام بين من يعتبر الكلاب خطراً يجب التخلص منه، وبين من يدافع عن حقها في الحماية، وفق القانون.
أين الحقيقة؟
مصدر الحقيقة جاء من كاميرات المراقبة المثبتة في المنطقة، التي أظهرت الجثة تطفو على سطح البحر فجراً، من دون وجود أي كلاب حتى لحظة وصولها إلى الشاطئ. وأكد تقرير الطبيب الشرعي عدم وجود آثار عنف بشري، مرجّحاً أن الوفاة ناتجة عن تعاطي المخدرات. أما التقرير البيطري فأشار إلى عدم وجود أي أثر لبقايا بشرية على أسنان الكلبة المضبوطة، ما يُسقط فرضية الهجوم.
جمع الكلاب.. تطبيق أم تصعيد؟
في ضوء الحادثة، بدأت وزارة الزراعة بالتعاون مع بلدية بيروت وجمعيتي “Animals Lebanon” و”BETA Lebanon” بخطوة لجمع الكلاب من محيط الشاطئ، ضمن محاولة لتطبيق قانون الرفق بالحيوان رقم 47/2017، الذي بقي في الأدراج سنوات من دون تنفيذ فعلي.
وينص القانون، الصادر في آب 2017، على منع القتل العشوائي والتسميم، واعتماد خطة “القبض، التعقيم، ثم الإفراج (TNR) ” كإستراتيجية إنسانية للتعامل مع الكلاب الشاردة. كما يحمّل وزارة الزراعة والبلديات مسؤولية تطبيقه، بالتعاون مع جمعيات متخصصة، تحت طائلة فرض غرامات وعقوبات جزائية على المخالفين. إلا أن ضعف التنفيذ جعل الظاهرة تتفاقم، والمواجهات تتكرر.
“Animals Lebanon”: لا تظلموا الكلاب
ودعت جمعية “Animals Lebanon” في بيان، الى الكف عن إطلاق الأحكام المسبقة، موضحة أن الكلاب اقتربت من الجثة بعد وصولها إلى الشاطئ، وهو سلوك طبيعي لا يدل على تورطها في الوفاة. ولفتت إلى أن الجمعيتين باشرتا نقل الكلاب إلى مأوى مؤقت حفاظاً على السلامة العامة، مؤكدة أن هذه الكلاب ليست عدوانية وتحظى برعاية سكان المنطقة. وحذرت من أن تحميل الحيوانات مسؤولية مأساة إنسانية بلا دليل يثير الذعر ويضر الجميع.
وأوضح مصدر في الجمعية لموقع “لبنان الكبير”، أن عمليات جمع الكلاب من محيط الرملة البيضاء لا تزال مستمرة، مشيراً إلى أن الفرق المتخصصة في الجمعية باشرت عملها منذ ليل السبت، لكن لم يتم بعد القبض على جميع الكلاب الموجودة في الباحة. ولفت الى أن الهدف هو نقلها إلى مأوى آمن، بعيداً عن أي تهديد، وبما يحفظ سلامة المواطنين والحيوانات على حد سواء.
قتل الكلاب مرفوض قانوناً وأخلاقياً
وفي تصريح لـ”لبنان الكبير”، أكد عضو بلدية بيروت الدكتور محمد بالوظة أن المجلس البلدي سيتسلم مهامه بعد عيد الأضحى، وسيكون ملف الكلاب الشاردة من أولويات العمل البلدي. وشدد على أن قتل الكلاب مرفوض أخلاقياً وقانونياً، مشيراً إلى ضرورة التعاون مع جمعيات الرفق بالحيوانات والمجتمع المدني لإيجاد حلول قائمة على القوانين، ومنها تحديد الآليات والأدوية المناسبة للتعامل مع الظاهرة.
القانون لا يُطبَّق
أما المحامي هادي ص. المتخصص بالقوانين البيئية، فأوضح لموقع “لبنان الكبير”، أن المادة 12 من قانون الرفق بالحيوان تلزم السلطات الرسمية بوضع خطط لإدارة الحيوانات الشاردة تشمل التعقيم والتلقيح والنقل، وليس القتل. وأكد أن أي إجراء خارج هذه الآليات يعدّ خرقاً للقانون، ويحمّل المسؤولين عنه تبعات قانونية، معتبراً أن الحادثة الأخيرة كشفت فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق الميداني، وسط فوضى إدارية وتفاعل شعبي عاطفي.
الطب البيطري يحسم الجدل
الطبيب البيطري الدكتور رامي ن. أكد لـ”لبنان الكبير” أن من النادر علمياً أن تهاجم الكلاب الشاردة الإنسان من دون استفزاز مباشر أو في حال الجوع الشديد، وهي حالات قليلة، مفسّراً أن اقتراب الكلاب من جثة ليس دليلاً على تورطها، بل هو سلوك غريزي. وأشار الى أن التحليل البيطري الدقيق لأسنان الكلبة وعدم العثور على أثر بشري يؤكد براءتها، ويرجّح أن الوفاة وقعت قبل اقترابها من الضحية.